في أزمة جديدة تُنذر بتصاعد التوتر بين الصين وأوروبا، اتهمت بكين الحكومة الهولندية بـ”القرصنة الاقتصادية” بعد استحواذها على السيطرة الإدارية لشركة نيكسبيريا (Nexperia)، المملوكة بالكامل لشركة وينغتك تكنولوجي (Wingtech Technology) الصينية والمتخصصة في صناعة أشباه الموصلات.
وقالت وسائل الإعلام الرسمية الصينية إن الخطوة الهولندية، التي جاءت بعد تنسيق واضح مع الولايات المتحدة، تمثل “قرصنة من القرن الحادي والعشرين”، واعتبرتها محاولة للاستيلاء على التكنولوجيا الصينية تحت ذريعة “الأمن القومي”.
قرار مفاجئ من أمستردام
في 30 سبتمبر الماضي، أعلنت وزيرة الشؤون الاقتصادية الهولندية تولّي الحكومة السيطرة على شركة نيكسبيريا، مستندة إلى “قصور خطير في الحوكمة” ومؤكدة أن الهدف هو ضمان استمرار إمدادات المنتجات الحيوية في حالات الطوارئ.
القرار جاء بعد فشل مفاوضات مع المالكين الصينيين للتخلي عن السيطرة على القرارات الاستراتيجية أو إدراج الشركة في الأسواق الأوروبية.
رد غاضب من بكين
الشركة الصينية الأم وينغتك تكنولوجي أكدت أن القرار الهولندي جاء نتيجة الضغوط الأمريكية، مشيرة إلى أنها تواجه بالفعل قيودًا على التصدير فرضتها واشنطن منذ ديسمبر الماضي.
وفي بيان لاحق، قالت وزارة التجارة الصينية إن “القواعد المتسللة للولايات المتحدة أضرت بالشركات الصينية”، ودعت هولندا إلى “التمسك باستقلالها وعدم الانصياع للضغوط الأمريكية”.
أما صحيفة غلوبال تايمز الحكومية، فذهبت أبعد من ذلك، ووصفت الخطوة بأنها “عملية سطو مقنّعة”، مؤكدة أن “بعض الدول الغربية تُعيد إحياء جيناتها الاستعمارية القديمة، وتتعامل مع الأمن القومي كترخيص للقرصنة الاقتصادية.”
تدخل أمريكي واضح
تشير الوثائق الصادرة عن المحكمة التجارية الهولندية إلى أن استبدال المدير التنفيذي الصيني تشانغ شيوي تشانغ كان شرطًا أمريكيًا لإزالة نيكسبيريا من القائمة السوداء للشركات التي تشكل “تهديدًا للأمن القومي الأمريكي”.
وبالفعل، تم تعيين المدير المالي الهولندي ستيفان تيلغر كرئيس تنفيذي مؤقت في 7 أكتوبر الجاري.
تصعيد اقتصادي متبادل
هددت الصين بالرد عبر حظر تصدير المعادن النادرة، وهي المواد الأساسية في صناعة الرقائق وأجهزة التكنولوجيا المتقدمة، مما قد يشكل ضربة قوية لصناعة التكنولوجيا الأوروبية.
وقال الخبير السياسي الصيني شن يي إن “هولندا التي كانت تُعرف بـ‘سائق البحر’ في القرن السابع عشر، تتصرف اليوم كقرصان في الاقتصاد الحديث.”
خلفية القضية
تعود ملكية شركة نيكسبيريا إلى الصين منذ عام 2018، بعد صفقة بلغت قيمتها 3.6 مليار دولار، ومنذ ذلك الحين تواجه الشركة تدقيقًا أوروبيًا متصاعدًا بدعوى “المخاوف الأمنية”.
فقد أجبرت بريطانيا عام 2022 الشركة على بيع مصنع “نيوبورت” للرقائق الإلكترونية، فيما منعتها ألمانيا عام 2023 من الحصول على تمويل للأبحاث.
أزمة تتجاوز الاقتصاد
يرى مراقبون أن القضية تتجاوز كونها نزاعًا تجاريًا، لتتحول إلى معركة جيوسياسية حول من يسيطر على مستقبل صناعة أشباه الموصلات في العالم.
فبينما تسعى أوروبا لتعزيز “استقلالها التكنولوجي”، ترى الصين في هذه الإجراءات محاولة خبيثة لتطويقها اقتصاديًا وإضعاف قدرتها على المنافسة.










