
إيران تعلن رسمياً إنتهاء الالتزام بالاتفاق النووي لعام 2015 وتؤكد تمسكها بالمسار الدبلوماسى
في خطوة تُعيد خلط الأوراق في الشرق الأوسط وتثير قلق العواصم الغربية، أعلنت إيران، السبت، انتهاء العمل رسميًا بجميع القيود المفروضة على برنامجها النووي بموجب اتفاق فيينا لعام 2015، مؤكدة في الوقت ذاته تمسّكها بخيار الدبلوماسية.
وقالت وزارة الخارجية الإيرانية في بيان رسمي إن «جميع أحكام الاتفاق، بما في ذلك القيود المفروضة على البرنامج النووي وآلياته، أصبحت باطلة ومنتهية»، مضيفة أن «إيران تظل ملتزمة بمسار الحلول الدبلوماسية رغم تصرفات الأطراف الأخرى».
يأتي هذا الإعلان في ظل توتر إقليمي ودولي متصاعد، بعد سنوات من التراجع التدريجي في الالتزامات منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق عام 2018 خلال ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب، وإعادة فرض العقوبات الأمريكية على طهران.
الاتفاق الذي وُقّع بين إيران والقوى الكبرى من بينها – الولايات المتحدة، الصين، روسيا، بريطانيا، فرنسا، وألمانيا – كان يهدف إلى رفع العقوبات الدولية عن طهران مقابل تقييد أنشطتها النووية، وتحديد نسبة تخصيب اليورانيوم عند 3.67% فقط، مع مراقبة صارمة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA).
لكن الانسحاب الأمريكي عام 2018 وجَّه ضربة قاصمة للاتفاق، ما دفع طهران إلى رفع نسب التخصيب تدريجيًا وصولًا إلى 60%، وهي نسبة تقترب من العتبة التقنية اللازمة لصنع سلاح نووي، الأمر الذي أثار مخاوف غربية من نوايا إيران النووية رغم نفيها المتكرر سعيها لامتلاك قنبلة.
في يوليو الماضي، أعلنت طهران تعليق تعاونها الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، متهمةً الأخيرة بـ“الصمت المتواطئ” إزاء الهجمات الإسرائيلية والأمريكية على منشآتها النووية. وفي سبتمبر، أعادت الأمم المتحدة فرض عقوبات على إيران بناءً على طلب من فرنسا وبريطانيا وألمانيا، وهي الخطوة التي اعتبرتها طهران إعلانًا عمليًا عن “نهاية” الاتفاق النووي.
وفي رسالة إلى الأمم المتحدة، شدّد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي على أن انتهاء الاتفاق يجعل العقوبات “باطلة ولاغية”، مؤكدًا أن “محاولات إيران لإحياء التعاون مع الوكالة الدولية عبر اتفاق القاهرة الأخير تقوّضت بسبب التصرفات غير المسؤولة للدول الأوروبية الثلاث”.
يرى مراقبون أن هذا الإعلان يُعد أخطر تحوّل في الملف النووي الإيراني منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق، إذ يمنح طهران حرية أكبر لتطوير برنامجها النووي دون قيود دولية، ويفتح الباب أمام سباق تسلح محتمل في المنطقة، خصوصًا مع تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل.
كما يعكس القرار الإيراني فشل الدبلوماسية الأوروبية في إنقاذ الاتفاق، ما يضع المجتمع الدولي أمام معضلة جديدة: هل تُكثّف واشنطن والغرب الضغوط عبر العقوبات؟ أم يُفتح مسار تفاوضي جديد بشروط مختلفة؟
في كل الأحوال، يبدو أن الشرق الأوسط يدخل مجددًا مرحلة نووية غامضة، تُعيد إلى الأذهان معادلة الخوف والتوازن التي سادت خلال الحرب الباردة، لكن هذه المرة بملامح شرق أوسطية أكثر اشتعالًا.










