فوز ساحق لتوفان إرهورمان يعيد الأمل في توحيد الجزيرة المقسّمة منذ نصف قرن
نيقوسيا –20 أكتوبر 2025
بفارقٍ غير مسبوق بلغ نحو 27 نقطة مئوية، حسم القبارصة الأتراك السباق الرئاسي لصالح المرشح اليساري الموالي لأوروبا توفان إرهورمان (55 عامًا)، منهين بذلك حقبة التيار القومي الذي ربط مصير الشمال التركي بعقيدة أنقرة السياسية والدينية. فوزٌ وُصف بأنه زلزال سياسي في شمال الجزيرة، وإشارة واضحة إلى رغبة القبارصة الأتراك في استعادة استقلال قرارهم والعودة إلى طاولة المفاوضات الأممية بشأن توحيد قبرص.
النتائج جاءت صادمة للمعسكر القومي؛ إذ حصد الرئيس المنتهية ولايته أرسين تاتار 35.8% فقط من الأصوات، مقابل 62.8% لإرهورمان الذي خاض حملته تحت شعار “إعادة الحياة إلى مفاوضات الأمم المتحدة” التي جُمّدت منذ انهيار محادثات “كرانس مونتانا” في سويسرا قبل ثماني سنوات.

صفعة لأنقرة.. ورسالة إلى أوروبا
الاحتفالات في شوارع الجزء الشمالي عبّرت عن فرحة ممزوجة بالتحدي، إذ رأى المراقبون أن التصويت الكاسح لإرهورمان يمثل رفضًا صريحًا للهيمنة التركية ولسياسات العزلة التي فرضها تاتار بتحالفه الوثيق مع حزب العدالة والتنمية في أنقرة.
الباحث والبرلماني الأوروبي السابق نييازى كيزيليورك قال لصحيفة الغارديان إن فوز إرهورمان “يمثل اختبارًا للطرف اليوناني، الذي لم يعد بوسعه التذرع بعدم وجود شريك تفاوضي في الشمال”.
وأضاف: “القبارصة الأتراك تعبوا من أن يكونوا مجرد تابعين لتركيا. يريدون أن يُنظر إليهم كجماعة سياسية مستقلة، وأن يكون مستقبلهم داخل الاتحاد الأوروبي، لا خارجه”.
انتصار الهوية العلمانية
حملة إرهورمان لم تكتف بالدعوة إلى استئناف المفاوضات، بل أعادت التأكيد على هوية شمال قبرص العلمانية والمستقلة، في مواجهة محاولات الأسلمة والتبعية السياسية لأنقرة.
المحللون وصفوا التصويت بأنه انتفاضة مدنية ضد النفوذ التركي المتزايد، خاصة من قبل الجيل الجديد من القبارصة المولودين في الشمال، الذين ضاقوا ذرعًا بما وصفوه بـ”الانحدار الديمقراطي” في تركيا.
الطريق نحو اتحاد فيدرالي
إرهورمان، أستاذ القانون المعروف باعتداله، أكد عقب إعلان النتائج أنه سيسعى فورًا إلى إعادة إحياء المفاوضات حول حل فيدرالي ثنائي المجتمع والمنطقة، وهو الإطار الذي طالما دعمته الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وقال في أول خطاب له بعد الفوز: “سأمد يدي للجميع، مهما كانت انتماءاتهم، لأن ما يوحّدنا أكبر مما يفرّقنا”.
النائب سامي أوزوسلو من حزب الشعب الجمهوري (CTP) شدد على أن “العهد الجديد يعني العودة إلى التفاوض، لأن خمس سنوات أخرى من الجمود ستقود الشمال إلى عزلة تامة”.
قبرص أمام مفترق تاريخي
قبرص، المنقسمة منذ الغزو التركي عام 1974، تعيش الآن لحظة حاسمة قد تعيد تشكيل مستقبلها. فبينما انضمت جمهورية قبرص الجنوبية إلى الاتحاد الأوروبي عام 2004، ظل الشمال خارج المظلة الأوروبية بسبب استمرار الانقسام.
ويُنظر إلى فوز إرهورمان على أنه الفرصة الأخيرة لإنهاء الانقسام الأطول في التاريخ الأوروبي الحديث، وإعادة الجزيرة إلى مسار السلام بعد نصف قرن من الجدران والأسلاك الشائكة.










