تعرض الاتحاد الأوروبي لانتقادات بعد قراره تعليق العقوبات ضد الحكومة الإسرائيلية، تماشياً مع جهود الوساطة التي يقودها دونالد ترامب في الشرق الأوسط، في وقت يواجه فيه وقف إطلاق النار الهش في غزة تهديداً.
بعد اجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين أمس الاثنين، أعلنت مسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، تعليق الجهود الرامية إلى تعليق التسهيلات التجارية المفضلة مع إسرائيل وفرض عقوبات على الأشخاص المسؤولين عن تأجيج الصراع من كلا الطرفين.
وقالت كالاس إن السياق تغير منذ اقتراح هذه الإجراءات الشهر الماضي، مشيرةً إلى “وجهات نظر مختلفة”، وأضافت: “لن نتحرك الآن بهذه الإجراءات، لكننا لن نستبعدها من الطاولة أيضاً لأن الوضع هش.”
انتقادات القرار
انتقد بعض المسؤولين السابقين في الاتحاد الأوروبي القرار بعدم المضي قدماً في العقوبات.
سفن كوين فون بورغسدورف، ممثل سابق للاتحاد الأوروبي في الأراضي الفلسطينية، قال للجارديان إن كالاس “لم تفهم الهدف” من المساءلة القانونية. وأضاف: “العقوبات ليست مجرد وسيلة لإجبار طرف ثالث على تغيير سلوكه، بل هي جزء من الأدوات التي منحها الاتحاد الأوروبي لنفسه للرد على انتهاكات القانون الأوروبي والدولي.”
وأشار بورغسدورف إلى أن الاتحاد الأوروبي توصّل في يونيو إلى أن إسرائيل انتهكت التزامات حقوق الإنسان بموجب اتفاقية الشراكة التي تحكم التجارة والتعاون بين الطرفين. كما أن المحامين يقولون إن الاتحاد الأوروبي ملزم بضمان توافق سياساته مع رأي محكمة العدل الدولية غير الملزم لعام 2024، والذي يطالب إسرائيل بإنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية في أسرع وقت ممكن.
وقد نظم بورغسدورف بياناً وقعه 414 من دبلوماسيين ومسؤولين سابقين، الأسبوع الماضي، دعوا فيه إلى اتخاذ إجراءات قوية ضد “المعرقلين والمتطرفين من كلا الطرفين” الذين تهدد أفعالهم “إقامة دولة فلسطينية مستقبلية”.
وقالت ناثالي توتشي، مستشارة سابقة لمسؤولي السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، إن أسوأ سيناريو للاتحاد سيكون التخلي عن العقوبات الآن، مؤكدة: “هذا هو بالضبط الوقت الذي يجب فيه الحفاظ على الضغط، لأننا جميعاً نعلم أن تنفيذ هذه الخطة ليس أمراً مؤكداً.” وأضافت: “أخشى أن تعود الحكومات والمؤسسات الأوروبية إلى الأنماط القديمة المألوفة.”

انقسام الأوروبيين
سيناقش قادة الاتحاد الأوروبي الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني في قمة يوم الخميس، وقد انقسموا منذ فترة طويلة حول الشرق الأوسط. فبعضهم مؤيد بارز للفلسطينيين مثل إسبانيا وأيرلندا، في حين يقف آخرون حلفاء متشددين لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مثل المجر وجمهورية التشيك.
وكانت احتجاجات واسعة في العديد من الدول الأوروبية على عدد القتلى والمعاناة في غزة قد دفعت المفوضية الأوروبية الشهر الماضي إلى اقتراح تعليق التسهيلات التجارية وفرض عقوبات على الأفراد المسؤولين عن تأجيج الصراع.
دور الاتحاد الأوروبي في الوساطة
رفض كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي الانتقادات المتكررة التي تقول إن الاتحاد “دافع للأموال وليس لاعباً” في الشرق الأوسط، مشيرين إلى أن الاتحاد هو أكبر مانح للفلسطينيين، حيث قدم 1.5 مليار يورو (1.3 مليار جنيه إسترليني) مساعدات إنسانية منذ 7 أكتوبر، لكنه يعاني من انقسامات تحد من قدرته على لعب دور وساطة فعال.
ويرى المسؤولون أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يكون ممثلاً في “مجلس السلام” الذي يقوده ترامب، خصوصاً فيما يتعلق بالمساهمة المحتملة في إعادة إعمار غزة، مع إشراك دول الخليج في تمويل تكاليف إعادة الإعمار المقدرة بـ70 مليار دولار. وأشاد الاتحاد الأوروبي بخطة ترامب، لكنه أشار في وثيقة مسربة إلى أن دور السلطة الفلسطينية وحل الدولتين يمكن “توضيحه أكثر”، وأن الخطة لم تتطرق إلى الوضع في الضفة الغربية.
وأكد بورغسدورف أن الاتحاد الأوروبي بحاجة لأن يكون لاعباً دبلوماسياً نشطاً لضمان معالجة “الثغرات المفقودة” في خطة ترامب، خصوصاً فيما يتعلق بالمستوطنات في الضفة الغربية، والعمل نحو مسار موثوق لحل الدولتين. وأضاف: “نحتاج إلى العمل على تفويض قوي من الأمم المتحدة، يسمح للشركاء الدوليين بنشر قوات وعناصر أمنية لضمان الأمن في قطاع غزة.” ومن المتوقع أن تقود مصر القوة الدولية لتثبيت الاستقرار، مع احتمال مشاركة تركيا وإندونيسيا وأذربيجان.
لقاء مرتقب مع السيسي
من المقرر أن يلتقي قادة الاتحاد الأوروبي بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في بروكسل يوم الأربعاء، بعد أن أشادوا بدور القاهرة كوسيط في الصراع. وأوضح بورغسدورف أن الاتحاد الأوروبي لديه فرصة لإظهار أنه يتجاوز دوره كـ“ممول فقط” وأن لديه طموحاً سياسياً حقيقياً.
من جانبه، قال كلوديو فرانكافيلا، مدير مشارك في هيومن رايتس ووتش: “ما قد تغير حتى الآن هو حجم وشدة الجرائم الإسرائيلية في غزة، لكن الاحتلال غير القانوني وجرائم الفصل العنصري، والتهجير القسري، والتعذيب، والقمع ضد الفلسطينيين مستمرة بلا انقطاع.”










