شنت قوات الأمن السورية، صباح الثلاثاء، عملية أمنية واسعة النطاق استهدفت “مخيم الفرنسيين” قرب بلدة حارم في ريف إدلب الغربي، والذي يعد المعقل الرئيسي لـكتيبة “فرقة الغرباء” التي يقودها الجهادي الفرنسي السنغالي عمر أومسين، المعروف أيضا باسم عمر ديابي.
تأتي هذه العملية في ظل تصاعد التوترات الأمنية في شمال غرب سوريا، وفي إطار تحركات حكومية للحد من نفوذ الجماعات الجهادية الأجنبية، ولا سيما التي تتهم بانتهاكات إنسانية داخل مناطق سيطرتها.
خلفية “مخيم الفرنسيين” وكتيبة الغرباء
يقع المخيم الذي يعرف محليا أيضا باسم “مخيم الفردان” على أطراف بلدة حارم، ويضم نحو 150 عائلة مهاجرة فرنسية ، معظمهم من مقاتلين أجانب ناطقين بالفرنسية وعائلاتهم مع اختلاف أصولهم، كالعرب من المغاربة والجزائريين والتونسيين والأفارقة والبلجيكيين وفرنسيي الأصل.
يقوده عمر أومسين (45 عاما)، وهو جهادي فرنسي من أصل سنغالي مصنف على قوائم الإرهاب في فرنسا والولايات المتحدة.
تدار الكتيبة التابعة اسميا لـ”الفرقة 82″ – إحدى فصائل المعارضة المسلحة – بشكل مستقل، وتفرض سيطرة داخلية صارمة، تشمل منع التعليم العام وفرض تعليم ديني خاص، وتقييد حركة النساء والفتيات.
بداية العملية الأمنية
مع الساعات الأولى من صباح الثلاثاء 22 أكتوبر، طوقت وحدات من قوات الأمن الداخلي السورية المخيم، واندلعت اشتباكات مسلحة عند المدخل الرئيسي. أفاد شهود بوقوع قصف بقذائف الهاون، مع استخدام الدبابات في محيط المخيم.
وصرح العميد غسان باكير، قائد الأمن الداخلي في إدلب، أن “العملية جاءت استجابة لشكاوى سكان المخيم من تجاوزات أمنية خطيرة، من بينها حادثة اختطاف طفلة فرنسية تدعى ميمونة فرستاي (11 عاما) من قبل عمر أومسين، مع مطالب بفدية مالية مقابل الإفراج عنها”.
الرواية المقابلة: اتهامات بالاستخبارات والتصفية
في بيان عاجل، قالت “فرقة الغرباء” إنها حصلت على معلومات مؤكدة عن نية الأجهزة الأمنية تنفيذ عملية ضد المخيم، مضيفة أن “محاولة التجسس تمت بغطاء صحفي مزيف عبر صحفيين يدعون العمل لصالح قناة ARTE الفرنسية الألمانية”. وأعلنت الكتيبة طرد هؤلاء الأفراد ورفضهم دخول أي جهات إعلامية أو حكومية.
واتهم أومسين في تسجيل صوتي الحكومة السورية بـ”تنفيذ أجندة فرنسية وأمريكية لتصفية المهاجرين”، بينما قال ابنه جبريل، في تصريح لوكالة “فرانس برس”، إن “الاشتباكات مستمرة، وهي رد فعل على ضغوط فرنسية لتسليم اثنين من المقاتلين الفرنسيين المطلوبين”.
الأبعاد الجهادية والتهديدات الأمنية
تعد “فرقة الغرباء” واحدة من أبرز الفصائل الجهادية الأجنبية في سوريا، وتشكل تهديدا أمنيا مزدوجا للسلطات المحلية وللدول الغربية، خاصة فرنسا، التي تطالب منذ سنوات بتسليم عدد من مقاتليها السابقين في سوريا.
وسبق أن اعتقل أومسين من قبل “هيئة تحرير الشام” بين عامي 2020 و2022، بتهم تتعلق بتجاوزات داخلية، ثم أفرج عنه دون محاكمة.
تشير التقارير إلى أن مجموعات جهادية أجنبية أخرى مثل التركستان والأوزبك بدأت بالتحرك لمساندة “فرقة الغرباء”، مما يثير المخاوف من اتساع رقعة الاشتباك وتصاعد النزاع في المنطقة القريبة من الحدود التركية.
التداعيات الإنسانية والأمنية
حتى صباح اليوم، لم تصدر الحكومة السورية أي بيان رسمي حول عدد الإصابات أو الاعتقالات، فيما حذرت منظمات إنسانية من تدهور الوضع داخل المخيم الذي يضم نساء وأطفالا.
من جهتها، طالبت منظمة “هيومن رايتس ووتش” بضرورة حماية المدنيين خلال العملية، ودعت للتحقيق في مزاعم استخدام القوة المفرطة من قبل القوات الأمنية.
في السياق الأوسع
تأتي هذه العملية ضمن محاولات الحكومة الانتقالية في الشمال السوري لإعادة تنظيم الفصائل الأجنبية ودمج بعضها، في وقت يقدر فيه عدد المقاتلين الأجانب في إدلب بأكثر من 10 آلاف عنصر. لكن التوترات الحالية تكشف عن صعوبات كبيرة في السيطرة على هذه الجماعات، خصوصا مع الروابط العقائدية والتنظيمية العابرة للحدود.










