كارليس بوجديمون يعلن انسحاب حزبه “معًا من أجل كاتالونيا” من التحالف الحاكم في مدريد، مهددًا بقاء حكومة بيدرو سانشيز ومفجّرًا أزمة سياسية جديدة قد تجرّ إسبانيا نحو انتخابات مبكرة.
تواجه الحكومة الإسبانية واحدة من أخطر أزماتها السياسية منذ تولي بيدرو سانشيز رئاسة الوزراء، بعد إعلان حزب “معًا من أجل كاتالونيا” (JxCat)، بزعامة كارليس بوجديمون، انسحابه من التحالف الذي مكّن سانشيز من البقاء في السلطة طوال العامين الماضيين.
القرار، الذي تمت الموافقة عليه بالإجماع خلال اجتماع قيادة الحزب في مدينة بربينيان الفرنسية، يمهّد لانهيار التحالف البرلماني الهش الذي كان يمنح سانشيز الأغلبية في البرلمان الإسباني، مما يفتح الباب أمام شلل سياسي أو انتخابات مبكرة قد تقلب المشهد في مدريد رأسًا على عقب.
بوجديمون: “اتفاق لا يُنفَّذ هو اتفاق ميت”
وفي مؤتمر صحفي حاد اللهجة، هاجم بوجديمون حكومة سانشيز قائلاً:
“الاتفاق الذي لا يُنفَّذ هو اتفاق مكسور.”
واتهم الحكومة الإسبانية بالتراجع عن التزاماتها المتعلقة بـ قانون العفو، وصلاحيات الهجرة الممنوحة للإقليم، والاعتراف باللغة الكاتالونية كلغة رسمية في الاتحاد الأوروبي. وأضاف قائلاً:
“لسنا مستعدين لمواصلة ضمان بقاء هذه الحكومة تحت هذه الشروط. الحزب الاشتراكي يتحرك فقط بدافع التكتيك السياسي.”
وأكد الزعيم الكاتالوني أن حكومة مدريد أظهرت “افتقارًا مقلقًا للشجاعة السياسية” في تنفيذ الإصلاحات التي وعدت بها، متهماً إياها بانتهاج سياسة “المماطلة والارتجال”. وأضاف:
“الثقة في هذا التحالف انتهت. نحن لسنا هنا للحفاظ على حكومة لا تفي بوعودها. اتفاق التنصيب لم يكن شيكًا على بياض.”
تحالف سانشيز على المحك: سبعة مقاعد تهدد البقاء
في حال تم تأكيد الانسحاب رسميًا من القواعد الحزبية خلال اجتماعات الأربعاء والخميس المقبلين، فإن حكومة سانشيز ستفقد الأغلبية المطلقة في البرلمان، إذ يشكل النواب السبعة لحزب JxCat الكفة المرجّحة التي حافظت على استقرار الائتلاف اليساري الحاكم منذ عام 2023.
ويرى محللون أن خطوة بوجديمون تمثل ضربة قاسية للائتلاف الاشتراكي، الذي أصبح اليوم “معلّقًا بخيط رفيع”، مع احتمال شلل مؤسساتي أو دعوة لانتخابات مبكرة خلال الأشهر المقبلة إذا فشل سانشيز في تأمين دعم بديل من أحزاب قومية أو إقليمية أخرى.
رد الاشتراكيين: “نحترم القرار لكن لا نستبق النتائج”
جاء رد فعل الحزب الاشتراكي الحاكم حذرًا ومشحونًا في الوقت ذاته. وقالت المتحدثة باسم الحزب، مونتسي مينغيث، إن الحزب “يحترم الديناميكيات الداخلية لـJxCat”، لكنها دعت إلى “عدم التسرع في استخلاص النتائج قبل اكتمال التصويت الداخلي”.
ورغم لهجة التهدئة، تشير الأوساط السياسية في مدريد إلى أن انسحاب بوجديمون قد يعجّل بنهاية حكومة سانشيز، التي قامت على تحالفات هشة مع القوى الإقليمية الكاتالونية والباسكية.
مدريد في مأزق بين الانقسام والابتزاز السياسي
انسحاب “معًا من أجل كاتالونيا” لا يُعد مجرد خلاف سياسي، بل اختبار حقيقي لاستقرار الديمقراطية الإسبانية. فسانشيز، الذي راهن على المصالحة مع الإقليم الكاتالوني مقابل البقاء في السلطة، يجد نفسه اليوم أسير تناقضات تحالفاته. أما بوجديمون، فيوظف اللحظة لتأكيد نفوذه من المنفى، ملوّحًا بورقة الانفصال من جديد تحت غطاء “الوفاء للوعود”.
مدريد اليوم ليست أمام أزمة تحالف فحسب، بل أمام أزمة ثقة بين المركز والأقاليم، قد تعيد إلى الواجهة أشباح عام 2017 عندما أعلنت كاتالونيا استقلالها من طرف واحد، ودخلت البلاد في واحدة من أعمق أزماتها الدستورية.










