أعد البرلمان النمساوي تقريرا موسعا حول تاريخ جماعة الإخوان المسلمين وأيديولوجيتها وأنشطتها داخل أوروبا، في خطوة تهدف إلى تعزيز وعي النواب بخطورة التنظيم الذي تصنفه النمسا كـ”منظمة مناهضة للدستور”.
ويأتي إعداد الملف في أعقاب قضية تجسس داخل جهاز الاستخبارات النمساوي (DSN)، بعد تعليق عمل أحد موظفي مديرية أمن الدولة والمخابرات للاشتباه في نقله معلومات سرية إلى جماعة الإخوان المسلمين.
تحقيقات وملاحقات
ووفقا لمصادر أمنية، فإن الموظف الذي كان يعمل بصفة مؤقتة في الجهاز الأمني، يشتبه في أنه سلم تفاصيل تتعلق بتحقيقات جارية في قضايا إرهاب إلى أعضاء في التنظيم المتطرف.
وأكدت السلطات أن المحققين راقبوه لأسابيع قبل أن تتحرك الأجهزة الأمنية وتوقفه عن العمل فورا بعد اجتماع جمعه بعناصر مرتبطة بالإخوان.
وقد داهمت الشرطة منزله وصادرت مستندات وأجهزة إلكترونية، فيما يعد مكتب المدعي العام في فيينا لائحة اتهام ضده تتعلق بـ”أنشطة استخباراتية تضر بأمن جمهورية النمسا”.
وقال متحدث باسم المكتب الاتحادي لحماية الدستور إن القضية “فردية”، مشددا على أن آليات الرقابة الداخلية كانت فعالة وكشفت الانتهاك في الوقت المناسب.
النمسا… أول دولة أوروبية تحظر الإخوان
يأتي هذا التطور بينما تعد النمسا أول دولة أوروبية تحظر جماعة الإخوان المسلمين رسميا منذ يوليو/تموز 2021، عقب إقرار قانون مكافحة الإرهاب الجديد الذي تبنته الحكومة بعد هجوم فيينا الإرهابي في نوفمبر 2020.
وبموجب القانون، أدرجت الجماعة على القائمة السوداء للمنظمات ذات الدوافع الدينية المتطرفة، إلى جانب تنظيمات مثل “داعش” و”القاعدة” و”حزب الله”، وتم حظر شعاراتها ومنشوراتها.
كما فرضت عقوبات مالية وجنائية مشددة، تصل إلى غرامة قدرها 10 آلاف يورو والسجن ستة أشهر في حال تكرار المخالفة.
وقال وزير الداخلية آنذاك كارل نيهامر إن الهدف من القانون هو “مواجهة جذور الإسلام السياسي ومنع تمدده داخل المجتمع النمساوي”.
من غراتس إلى أوروبا… مسار نفوذ طويل
يرصد الملف البرلماني الجديد تاريخ تغلغل جماعة الإخوان في أوروبا، مشيرا إلى أن النمسا كانت أحد أهم معاقل التنظيم منذ ستينيات القرن الماضي، عندما أسس الممول المصري يوسف ندا أول شبكة مالية لهم في مدينة غراتس عبر مصانع ومنشآت اقتصادية.
لاحقا، توسعت الشبكات المالية للجماعة لتصل إلى سويسرا والمملكة المتحدة، قبل أن تعود وتستقر في النمسا بعد عام 2017، هربا من الضغوط الأمريكية والدولية التي استهدفت مؤسساتها المالية.
“عملية الأقصر”.. نقطة التحول
وفي عام 2020، أطلقت السلطات النمساوية عملية “الأقصر” ضد الشبكات المرتبطة بالإخوان، استهدفت أكثر من 60 كيانا وجمعية ومسجدا وشركة في أربع مقاطعات.
وكشفت العملية عن تدفقات مالية مشبوهة بلغت أكثر من 20 مليون يورو، وأسماء عشرات الأفراد المرتبطين بتمويل الإرهاب وغسل الأموال.
ورغم انتهاء التحقيقات، فقد شكلت العملية تحولا جذريا في طريقة تعامل الدولة مع الإسلام السياسي، وأسفرت عن إنشاء مركز توثيق الإسلام السياسي لمراقبة أنشطة الجماعات المتطرفة.
خطر مستمر
يؤكد التقرير البرلماني أن الإخوان ما زالوا يمثلون تهديدا أمنيا وفكريا للنظام الديمقراطي في النمسا، رغم الحظر والتضييق القانوني، مشيرا إلى أن الجماعة تسعى إلى إعادة التموضع داخل المجتمع عبر واجهات ثقافية وتعليمية ودعوية.
ويرى المراقبون أن الكشف عن اختراق أحد موظفي الاستخبارات يمثل جرس إنذار جديدا للسلطات، ويدعم التوجه نحو تشديد الرقابة على المنظمات الإسلامية ذات الطابع السياسي.










