سقوط الفاشر بأيدي قوات الدعم السريع يُطلق كارثة إنسانية مروعة، وسط حصار شامل ومشاهد دماء التقطتها الأقمار الصناعي
شهدت مدينة الفاشر السودانية سقوطها الكامل بيد قوات الدعم السريع، مما أدى إلى مجازر جماعية بحق المدنيين غير العرب، في كارثة إنسانية واسعة تحت رعاية الإمارات العربية المتحدة. تفاصيل مأساة دارفور والدماء المرئية من الفضاء
شهدت مدينة الفاشر، عاصمة إقليم دارفور السوداني، ذروة مأساوية في الأسبوع الماضي، وذلك بعد سقوطها بالكامل في يد قوات الدعم السريع (RSF)بعد 18 شهرًا من التطورات المتسارعة . لم يمثل سقوط آخر معاقل الجيش السوداني في دارفور مجرد تحول عسكري، بل أطلق العنان لكارثة إنسانية على نطاق واسع، تذكر بمشاهد الإبادة الجماعية فى رواندا

مشاهد من الفضاء : إبادة منظمة وعنف عرقي
تشير التقارير الأولية الواردة من الفاشر إلى حجم وحشية المجازر لا يمكن تصوره. فقد قُتل ما يقرب من 500 شخص في أحد مستشفيات الولادة وحدها، بما في ذلك المرضى وعائلاتهم. يروي الناجون القلائل مشاهد إعدام مدنيين بوحشية، في حملة قتل واسعة النطاق لدرجة أن صور الدماء المسالة التقطتها الأقمار الصناعية من الفضاء. وقد شبّه بعض مراقبي الحروب هذه المشاهد بـ “الـ 24 ساعة الأولى من الإبادة الجماعية في رواندا”.
إن ما يعيشه سكان الفاشر الآن هو حصار شامل دفع مئات الآلاف إلى حافة المجاعة، حيث اضطر من بقي إلى العيش على أعلاف الحيوانات، بينما واجه الفارين خطر الموت أو الاغتصاب. يعزز هذا الهجوم سيطرة قوات الدعم السريع على غرب السودان، ويستهدف بشكل خاص المدنيين من غير العرب، فيما يُوصف بأنه انتقام عرقي متجدد يذكّر بحلقات الإبادة في دارفور قبل عقدين من الزمان. وقد تجلت هذه النية الإجرامية في لقطات مصورة تُظهر قائدًا يقول لأحد المدنيين قبل إطلاق النار عليه: “لن أرحمكم أبدًا، وظيفتنا هي القتل فقط”.
ويُذكر أنه قبل الحرب، كان الطرفان متعاونين في الحكومة بعد الثورة الشعبية التي أطاحت بالرئيس عمر البشير في 2019، ثم تحول كل منهما ضد المدنيين قبل أن ينقلب كل على الآخر. وكشفت المواجهة بينهم الأن عن مدى قوة قوات الدعم السريع، التي أنشأها البشير من مقاتلي الجنجويد لحمايته وخوض حروبه في دارفور، وما جمعته من ترسانات وموارد وخطوط إمداد خارجية.
الجنجويد بأذرع حديثة: التحول في ميزان القوى
يمثل سقوط الفاشر نقطة تحول مأساوية في حرب السودان المستمرة منذ عامين ونصف. فقد تحولت قوات الدعم السريع، التي أنشأها الرئيس المخلوع عمر البشير من مقاتلي الجنجويد لخوض حروب دارفور، إلى قوة مسلحة حديثة. لم يعد مقاتلوها يأتون على ظهور الجمال والخيول، بل على سيارات رباعية الدفع مجهزة برشاشات وطائرات مسيرة قوية، وهو ما كشف عن قوتها الهائلة وترسانتها الكبيرة وخطوط إمدادها الخارجية
أرقام وإحصائيات صادمة
منذ بدء الحرب في أبريل 2023، أصبحت الإحصائيات :نزح ملايين الأشخاص، ومقتل نحو 150 ألف شخص، وأكثر من 30 مليون فى حاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة. ومع ذلك هذه الأرقام والإحصائيات لا تكشف بشكل كامل مأساة السودان، ولا الانهيار السريع للبنية التحتية، ولا الوحشية البالغة التي مارستها قوات الدعم السريع في دارفور.
مع استيلاء قوات الدعم السريع على الفاشر، عززت سيطرتها على غرب السودان، مستهدفة المدنيين غير العرب انتقامًا وُصف بإنه عرقيًا. في وقت سابق من هذا العام، في هجوم على أكبر مخيم للنازحين، ذبحت الميليشيا مئات المدنيين على أساس عرقي. وما ينتظر الفاشر بعد سقوطها، المدينة التي صمدت لفترة طويلة، أمر لا يمكن تصوره. تظهر مقاطع الفيديو السكان المحليين يتوسلون لإنقاذ حياتهم، وأخبر قائد أحد المدنيين أن لا أحد سيُعفى قبل أن يُطلق النار عليه، قائلًا: “لن أرحمكم أبدًا، وظيفتنا هي القتل فقط”.
الحصار على الخرطوم قد انتهى، لكن ما خلفه من مشاهد رعب لا يصدق.
وكان كل هذا متوقعًا. تحذيرات صدرت منذ أشهر عن خطر وقوع مجازر جماعية، وكان مليون نازح من دارفور، فرّوا من بؤر توتر أخرى، قد أصبحوا مركزين في مدينة الفاشر، ومع تصاعد القتال تفرقوا مرة أخرى أو وقعوا في الأسر. السيناريو يذكر بالأيام الأولى لإبادة رواندا الجماعية، وكذلك بحلقات سابقة من إبادة دارفور قبل 20 عامًا، لكن هذه المرة كان التركيز أكثر وحدة وشدة.
الرعاية الخارجية والقوى الداعمة
إن هذا التسليح الكثيف، وما سببه من كارثة في الفاشر ودارفور، يتم – وفقاً للتقارير – برعاية مباشرة من دولة الإمارات العربية المتحدة، التي توصف بأنها الحليف التاريخي لقوات الدعم السريع. تتهم الإمارات بضخ الأموال والأسلحة للميليشيا، مما يطيل عمر الحرب في السودان، في مقابل الحصول على موطئ قدم استراتيجي والسيطرة على مناجم الذهب والموارد.
هذا التدخل الإقليمي يضيف أبعادًا بالوكالة على النزاع المحلي، ما يؤدي إلى جمود دموي يصعب كسره. ورغم الأدلة الواضحة على هذا الدعم، ورغم علاقات الإمارات الوثيقة مع قوى عالمية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، لا يوجد ضغط حقيقي عليها لوقف دعم ميليشيا تمارس الإبادة. بل كشفت مصادر عن عمل مسؤولين بريطانيين على كبح انتقاد الإمارات بين الدبلوماسيين الأفارقة في الوقت الذي كانت فيه قوات الدعم السريع تحاصر الفاشر.
اليوم في السودان، هناك طرفان عسكريان لا يستطيع أي منهما هزيمة الآخر بشكل حاسم. على المستوى العالمي، والسياسة الخارجية تحولت من البراغماتية والضغط الأخلاقي إلى ممارسة صارخة للقوى الكبرى لتحقيق مصالحها دون اعتبار للإنسانية. حجم ووضوح الجرائم – مرئية من الفضاء – يجعل التظاهر بالجهل أمرًا مستحيلًا.
إن محاسبة مرتكبي الفظائع تتطلب مواجهة الدور الإمبريالي المتزايد لبعض القوى الخليجية في إفريقيا. وتظل أيدي أولئك الذين يملكون النفوذ على الإمارات، وبالتالي على قوات الدعم السريع، ويسمحون للعنف بالاستمرار دون ضغط عاجل، ملطخة بدماء المدنيين. غالبية سكان الفاشر محاصرون الآن في ” معسكر قتل”، وكل دقيقة تمر تحتسب في سجل المأساة الإنسانية.










