نجاة الصغيرة تعيش في الفترة الأخيرة حالة من العودة الرمزية إلى دائرة الضوء بعد سنوات طويلة من العزلة والابتعاد، حيث عادت أخبارها لتتصدر عناوين الصحافة العربية مع كل ظهور نادر لها أو تكريم رسمي يذكر الجمهور بـ”قيثارة الغناء العربي”.
أحدث ما ارتبط باسمها خلال عامي 2024 و2025 تمثل في ظهورها اللافت بحفل Joy Awards في الرياض، ثم جولة تكريم وزيارة رسمية لمدينة الثقافة والفنون والعاصمة الإدارية الجديدة في مصر، ما أعاد طرح أسئلة حول وضعها الصحي وخطط عودتها أو استمرار اعتزالها.
عودة مفاجئة إلى الأضواء
بعد ما يقارب عقدين من الاعتزال الرسمي للغناء منذ 2002، ظل ظهور نجاة الصغيرة مقتصرًا على أخبار متفرقة عن إقامتها الهادئة في القاهرة ورحلاتها العلاجية إلى أوروبا، قبل أن تفاجئ جمهورها عام 2017 بأغنية جديدة “كل الكلام قلناه” أعادت اسمها إلى قوائم الاستماع.
ومع دخول عام 2024، خطفت الأنظار مجددًا عندما ظهرت على مسرح Joy Awards في الرياض لتقدم مقطعًا من أغنيتها الشهيرة “عيون القلب” وسط حالة من الدهشة والاحتفاء باعتبارها أحد آخر رموز “العصر الذهبي” الباقين على قيد الحياة.
زيارتها للعاصمة الجديدة ومدينة الثقافة والفنون
في أواخر نوفمبر 2025 عادت نجاة الصغيرة لتتصدر العناوين بعد زيارة رسمية إلى العاصمة الإدارية الجديدة في مصر، شملت جولة في دار الأوبرا بمدينة الثقافة والفنون، ثم زيارة مقر الهيئة الوطنية للإعلام.
رافقها خلال الزيارة رئيس شركة العاصمة الجديدة ورئيس الهيئة الوطنية للإعلام، في مشهد حمل رسالة رمزية عن استعادة جيل الرواد لمكانتهم في المشهد الثقافي الرسمي وربطهم بمشاريع الدولة الثقافية الجديدة
هذا الظهور النادر داخل مؤسسة ثقافية ضخمة أعاد فتح نقاشات حول إمكانية توثيق تجربتها فنيًا، سواء عبر حفلات تكريم، أو مشروع أرشفة رقمية لأعمالها الغنائية والسينمائية، خاصة أن جمهور المنصات الرقمية من الأجيال الجديدة يتعرف إلى نجاة أكثر عبر المقاطع القصيرة لا عبر الحفلات التاريخية الكاملة.
مسيرة بين الاعتزال والعزلة والرسائل المؤثرة
على مدار العقدين الماضيين، رافقت الاعتزال الفني عزلة شبه كاملة عن الإعلام، تخللتها فقط بعض الرسائل الصوتية أو المنقولة عبر الوسطاء لنفي شائعات الوفاة أو التدهور الصحي.
في إحدى هذه الرسائل التي نقلها موسيقيون وإعلاميون، أعربت نجاة عن استيائها من الشائعات المتكررة حول وضعها الصحي، مؤكدة أنها لا تطلب شيئًا من أحد سوى أن يتوقف تداول الأخبار غير الدقيقة عنها، وأن يُترك لها حق حياة هادئة بعيدًا عن ضجيج السوشيال ميديا.
سبق ذلك أيضًا أنباء عن اضطرارها لمغادرة عمارة “الشربتلي” الشهيرة في الزمالك بعد تعرض المبنى لضرر إنشائي عام 2020، وهي الواقعة التي أطلت من خلالها إلى الواجهة إعلاميًا للحظات قبل أن تعود مجددًا إلى اختيار حياة الظل.
هذه التفاصيل الشخصية ساهمت في تشكيل صورة فنانة قررت أن تنسحب بهدوء من المشهد، لكنها تبقى حاضرة بقوة في ذاكرة الجمهور من خلال أعمالها.
جدل مظهرها وظهورها النادركل ظهور جديد لنجاة الصغيرة أصبح مادة للنقاش والجدل بين رواد منصات التواصل الاجتماعي، سواء تعلق الأمر بمسألة الحجاب، أو تبدل ملامحها بفعل الزمن، أو طبيعة التكريم الذي تحصل عليه.
في أحد التكريمات الأخيرة، ركز جزء من التعليقات على ظهورها من دون غطاء للرأس بعد سنوات من الحديث عن ارتدائها الحجاب، ما خلق انقسامًا بين من يرى أن الأمر حرية شخصية، ومن يصر على محاكمتها بمعايير أخلاقية وثقافية لا تنفصل عن صورة “النجمة الأسطورة” في أذهان الجمهور.
ورغم هذه الضجة، عكست تغطية كثير من المنصات الإعلامية حالة حنين جماعي إلى زمن أغنيات “عيون القلب” و”كل الكلام” و”أنا بستناك”، مع دعوات لإعادة تقديم تراثها بجودة صوت وصورة حديثة تحترم تاريخها وتقدمه للأجيال الجديدة بطريقة تنافس أرشيف الكلاسيكيات العالمية.
موقع نجاة الصغيرة في الذاكرة الفنية اليوم
تضع معظم الدراسات والمواد التعريفية نجاة الصغيرة في خانة رموز “العصر الذهبي” إلى جوار أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وفايزة أحمد، مستندة إلى جمعها بين صوت استثنائي وحضور سينمائي شكل جزءًا من ذاكرة السينما العربية.
عودتها الرمزية عبر حفلات تكريم محدودة وزيارات لمؤسسات ثقافية كبرى تُقرأ اليوم بوصفها محاولة متأخرة لإعادة وصل ما انقطع بين الجيل الجديد وهذه المدرسة في الغناء، في ظل هيمنة موجات جديدة من البوب العربي.
وبينما لا توجد مؤشرات رسمية على تحضير ألبوم جديد أو حفلات منتظمة، يرى نقاد أن قيمة نجاة في المرحلة الحالية تتجاوز فكرة “العودة الغنائية” إلى كونها جسرًا حيًا لحقبة موسيقية كاملة تحتاج إلى توثيق مؤسسي حقيقي داخل مصر وخارجها.
ظهورها في العاصمة الإدارية، وقبلها في الرياض، يعطي انطباعًا بأن ملف تكريم وتجديد تقديم تراثها بات حاضرًا على طاولة صناع القرار الثقافي عربياً، حتى لو اختارت هي أن تظل بعيدة عن الأضواء قدر المستطاع.










