اقتراح البرهان بتغيير علم السودان إلى “علم الاستقلال” يثير جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والاجتماعية
بورتسودان، السودان – شهدت الساحة السودانية جدلاً واسعاً ومتبايناً في الآراء بعد إعلان الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش، يوم الاثنين 1 ديسمبر 2025، اقتراحه للعودة إلى علم السودان القديم، المعروف بـ”علم الاستقلال” الذي اعتُمد عام 1956.
جاء إعلان البرهان خلال خطاب ألقاه في بورتسودان أمام “القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح”، حيث وصف العلم المقترح بأنه رمز “رفعه أجدادنا وآباؤنا في زمن الاستقلال”. وأكد أن هذه الخطوة تأتي ضمن رؤية أوسع لـ”إعادة صياغة الدولة السودانية من الأول وبناء السودان على أسس صحيحة”، في خضم الصراع المستمر مع قوات الدعم السريع.
تفاصيل العلم المقترح ورمزيته
علم الاستقلال (1956-1970) يتميز بتصميم بسيط يتكون من ثلاثة ألوان أفقية متساوية العرض:
الأزرق: في الأعلى، يرمز إلى نهر النيل والسماء.
الأصفر (الذهبي): في الوسط، يرمز إلى الصحراء.
الأخضر: في الأسفل، يرمز إلى الزراعة والأراضي الخصبة.
الفرق عن العلم الحالي: العلم الرسمي المستخدم حالياً (منذ عام 1970 في عهد جعفر النميري) يختلف بوجود ألوان القومية العربية وإضافة خط أسود مثلث الشكل في الجهة اليسرى.
سياق الاقتراح: ربط الهوية بإنهاء الحرب
يُفسر الاقتراح على أنه بادرة رمزية تهدف إلى توحيد الهوية الوطنية في وقت يسعى فيه الجيش إلى ترسيخ شرعيته وقيادته لمرحلة ما بعد الحرب. وقد ربط البرهان هذه الرؤية بشكل مباشر برفضه لأي مبادرة سلام لا تتضمن “تفكيك قوات الدعم السريع وتجريدها من السلاح”.
ويأتي هذا التحرك وسط تصعيد عسكري، حيث وصف البرهان هدنة إنسانية أعلنها قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) بأنها مجرد “مناورة سياسية”.
انقسام حاد: دعم للرمزية ورفض للتوقيت
أثار الاقتراح انقساماً كبيراً على منصات التواصل الاجتماعي وفي الأوساط السياسية والمدنية، تركز حول الرمزية السياسية وتوقيت القرار في ظل أزمة الحرب:
الدعم: رمز الاستقلال الثاني
يرى المؤيدون، وخاصة من الجيش والحركات المسلحة، أن العودة للعلم القديم تمثل رمزاً لـ “الاستقلال الثاني” من “المليشيات”.
وقد نشطت هاشتاجات مثل #علم_الاستقلال، حيث أشار بعض النشطاء إلى أن العلم الجديد يعكس العودة إلى الجذور السودانية بعيداً عن الأيديولوجيات السياسية.
كتب الصحفي مالك الروقي: “تقول هذه السردية بأن المعركة التي يخوضها الجيش مع الدعم السريع هي معركة استقلال جديد”، مشيراً إلى الرموز الطبيعية للعلم (النيل، الصحراء، الأرض الخصبة).
نشطت هاشتاجات مثل #معالعودةللعلمالقديم و#علمالاستقلال، مع تغريدات تُشيد بالمبادرة كخطوة نحو “إعادة بناء السودان”، كما في تغريدة Mahdi Suleiman: “دي مبادرة مهمة تستحق الإشادة والدعم”.
وقال الناشط السوداني عبد الرحمن ديجس” قالو البرهان اقترح نرجع للعلم القديم بتاع السودان، علي فكرة العلم الجديد و القديم كلهم اتنين جاء حسب مزاج أفراد ما كان اتفاق بين السودانين، الموجود الان دا جاء حسب مزاج جعفر النميري بعد السكره فكت منه قال نغيير العلم ومشي عمل علم بتاع الوحدة العربية، لأول مرة ممكن اتفق مع البرهان في تغيير العلم و رجوع الي العلم القديم لكن شكلتنا القديم في مكانوا”.
فيما قالت أشراقة سيد محمود، رئيسة الهيئة القيادية للحزب الاتحادي الديمقراطي إن “اليوم سيكتب التاريخ أن البرهان هو القائد القوى الذى أنحاز لتاريخ بلاده وإرثها وحضارتها ورمز استقلالها. اليوم يسطر التاريخ باحرف من نور للبرهان انه القائد الذي انحاز بكل شجاعة للنيل وللصحراء والارض الخضراء رمزا للغابة والصحراء وللمزيج السودانى عربا وافارقة شكلوا هذه الأمة السودانية الخلاسية التى ناضلت ضد الاستعمار وحققت الاستقلال . ورفعت العلم بالألوان الثلاثة”.
الرفض: مخاوف من التغيير الجذري
عبّر المعارضون، بمن فيهم ناشطون مدنيون، عن قلقهم من أن يكون تغيير العلم غطاءً لـ “تغييرات جذرية” في بنية الدولة قد تُفاقم الانقسام بدلاً من توحيد الصفوف. كما انتقد البعض التوقيت، معتبرين أن التركيز يجب أن ينصب على إنهاء الحرب.
أشار بعض المنتقدين إلى أن العلم الحالي هو رمز صمود الأجيال الحالية، وحذروا من أن التغيير قد يفتح “باب التأويلات العميقة” التي تُربك الهوية الوطنية في مرحلة حساسة.
يُظهر الجدل أن الاقتراح، رغم رمزيته، يعكس انقساماً عميقاً في البلاد، ويبقى السؤال معلقاً حول ما إذا كان العلم الجديد سيصبح رمزاً للوحدة أم سيُفاقم الشقاق في الأيام القادمة.
هل يستطيع البرهان تحقيق ذلك؟
ويقول الصحفي السوداني عثمان ميرغني ، دون سابق تمهيد، ومن منبر خطاب جماهيري، اقترح رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان تغيير علم السودان، بالعودة إلى علم الاستقلال التاريخي المعروف بألوانه الأفقية: الأزرق والأصفر والأخضر.
وأضاف أن البرهان قال في خطابه إن الدولة السودانية في حاجة ماسة إلى إعادة تأسيس، مستلهماً فكرة تغيير العلم لتكون مدخلاً تاريخياً يعيد السودان إلى مرحلة لم يكتمل نضجها مع فجر الاستقلال.
ولمكن تساءل ميرغني هل يقدر على استكمال شروط النهضة، التي من بينها صياغة دولة جديدة في مضمونها ورموزها ورمزياتها؟ الإجابة المباشرة: لا.. إلا إذا..وعبارة «إلا إذا» هنا تضع الشروط الواجب توفرها كي يتمكن البرهان من تخليد اسمه في سفر التاريخ بابتدار الجمهورية الثانية في السودان.
إلا إذا – وبصورة مجملة – غادر كل ماضيه، واستدبر تجربته منذ تسلم الحكم يوم الجمعة 12 أبريل 2019 وحتى اليوم.
قراءة أوسع للمشهد
الاقتراح أشعل نقاشاً وطنياً واسعاً تجاوز عشرات الآلاف من التفاعلات على منصة X، مع ربطه بالصراع على الهوية السودانية في مرحلة حرب مدمرة أودت بحياة عشرات الآلاف وشرّدت ملايين.
ويرى محللون أن الجدل يعكس انقساماً حاداً:
الجيش يسعى لاستعادة رموز “الاستقلال الأول” لتعزيز شرعية الدولة.
المدنيون يخشون من استخدام الرمز لتبرير تغييرات جذرية في بنية السلطة.
حتى الآن، لم تُعلن أي خطوات رسمية لاعتماد العلم الجديد، لكن الجدل المستعر يجعله واحدة من أبرز القضايا الوطنية في المشهد السوداني الراهن.
ويبقى السؤال مفتوحاً: هل ينجح “علم الاستقلال” في توحيد السودانيين؟ أم يتحول إلى فصل جديد من الانقسام في بلد أنهكته الحرب؟










