“يتصل بترامب سرًا ويتحدّاه علنًا.. هل يعيش مادورو آخر فصول المناورة أم أول لحظات السقوط؟”
نيكولاس مادورو يواجه في الأيام الأخيرة أخطر لحظات حكمه مع تصاعد التهديدات العسكرية والسياسية من الولايات المتحدة، مقابل تمسكه بالسلطة ومحاولة الظهور بمظهر الرئيس الواثق القادر على الصمود.
وبينما يتحدث عن “سلام مع السيادة” في خطاباته، تتهمه المعارضة الفنزويلية بأنه فقد أي شرعية شعبية وأنه يحكم عبر جهاز أمني وعسكري مشدّد وحلفاء خارجيين أبرزهم كوبا.
“
مكالمة “ودية” مع ترامب تحت فوهات المدافعمادورو أكد مؤخرًا أنه أجرى مكالمة وصفها بـ”الودّية والمحترمة” مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في وقت تنتشر فيه القطع البحرية الأمريكية قرب الكاريبي وسط حديث عن احتمال تحرك عسكري.
الخطاب الرسمي في كاراكاس يحاول تصوير الاتصال كقناة حوار متكافئة بين دولتين ذاتي سيادة، بينما تقرّ تحليلات سياسية بأن واشنطن تستخدم العصا العسكرية لفرض شروط قاسية على الرئيس الفنزويلي.
تقارير صحفية أمريكية أشارت إلى أن ترامب قدّم لمادورو عرضًا بالخروج الآمن له ولعائلته مقابل استقالته الفورية، في إطار محاولة حسم مواجهة مفتوحة منذ سنوات.
في المقابل، يستمر مادورو في رسائله العلن المتحدية، مؤكدًا أن بلاده لن تركع للتهديدات وأن أي حوار يجب أن يحفظ “السيادة والحرية”، لكن المعارضة ترى في ذلك مجرد مناورة لكسب الوقت.
رئيس يُبدّل أسرّته.. هوس أمني أم خوف من النهاية؟تسريبات صحفية واسعة الانتشار نقلت أن مادورو شدّد من إجراءاته الأمنية إلى حد غير مسبوق، إذ يُقال إنه يغيّر مكان نومه باستمرار ويستخدم هواتف بديلة ويقلّل من ظهوره العلني المباشر.
مصادر تحدّثت عن تعاظم دور الحرس الكوبي وجهاز الاستخبارات القادم من هافانا، في حماية الرئيس وتحركاته اليومية تحسبًا لعملية خاصة أو ضربة دقيقة تستهدف رأس النظام.
في الوقت نفسه، خفّض مادورو عدد الفعاليات المفتوحة والبث المباشر، مفضّلًا تسجيل خطاباته مسبقًا أو الظهور المفاجئ في مشاهد مدروسة إعلاميًا لإظهار الثقة والهدوء.
هذه الصورة المزدوجة – رئيس يعيش هاجس الاغتيال ويقدّم نفسه أمام الكاميرات كزعيم مطمئن يرقص ويصافح أنصاره – أصبحت مادة دسمة لخطاب المعارضة التي تتهمه بانفصام كامل عن حقيقة الشارع.
اقتصاد منهار وصفقة نفط فاشلة مع واشنطنعلى المستوى الاقتصادي، تعيش فنزويلا واحدة من أسوأ الأزمات في تاريخها الحديث، بعد انكماش حاد في الناتج المحلي وارتفاع كبير في معدلات الفقر والهجرة، نتيجة سنوات من سوء الإدارة والعقوبات وتبعية الميزانية لعوائد النفط.
تقارير اقتصادية حديثة تذكر أن الاقتصاد الفنزويلي فقد جزءًا كبيرًا من قيمته مقارنة بالدول المجاورة، وأن نسب التضخم والفقر لا تزال مرتفعة رغم تباطؤ وتيرة الانهيار في العامين الماضيين.
في محاولة للخروج من العزلة المالية، كشفت صحف أمريكية عن عرض قدمه معسكر مادورو للإدارة الأمريكية، يتضمن فتح قطاعات النفط والذهب أمام الشركات الأمريكية وتقليص التعاون مع الصين وروسيا وإيران، مقابل تخفيف الضغط والعقوبات.
غير أن واشنطن رفضت هذه الصفقة في نهاية المطاف، معتبرة أن المشكلة الحقيقية ليست في العقود النفطية بل في بقاء نظام لا يحظى بشرعية ديمقراطية، وفق ما تنقله تحليلات لمسؤولين وخبراء.
عزلة خارجية وتصدّع داخلي في معسكرهخلال الأسابيع الأخيرة، فقد مادورو دعم حليفين إقليميين بعدما غيّرت حكومتا هندوراس وسانت فنسنت والغرنا دين موقفهما لصالح اصطفاف أقرب للولايات المتحدة والمعارضة الديمقراطية.
هذا التحول زاد من شعور العزلة حول كاراكاس، وأضعف شبكة العلاقات التي اعتمد عليها النظام لسنوات في مواجهة العقوبات والحصار السياسي.
في الداخل، تشهد المعارضة إعادة تنظيم صفوفها مع بروز اسم ماريا كورينا ماتشادو التي حصلت على جائزة نوبل للسلام عن جهودها في الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الفنزويليين، لتتحول إلى رمز لمرحلة ما بعد مادورو في الخطاب الغربي على الأقل.
استطلاعات رأي أشار إليها محللون تُظهر أن جزءًا واسعًا من الشارع لم يعد يثق في وعود النظام، بينما ينقسم حول جدوى التدخل الأمريكي أو أي سيناريو تغيير مفروض من الخارج.
بين التشبث بالكرسي وشبح الرحيلمادورو أدى في يناير 2025 اليمين لولاية رئاسية ثالثة مدتها ست سنوات، في خطوة وصفتها المعارضة بأنها “انقلاب مغلف بالقانون” بسبب الخلافات حول نزاهة الانتخابات السابقة.
ورغم تواصل الضغوط الدبلوماسية والعقوبات وتهديدات القوة، يراهن الرئيس على تماسك المؤسسة العسكرية والأمنية حوله، وعلى إرث تشافيز الذي لا يزال مؤثرًا لدى جزء من القاعدة الشعبية.
غير أن تصاعد الحشود العسكرية الأمريكية قرب بلاده، وتكثيف الحديث عن صفقات خروج آمن، وتراجع شبكة الحلفاء الخارجيين، كلها عوامل تجعل الأسابيع المقبلة حاسمة لمستقبل مادورو السياسي.
وبين سردية “المقاومة ضد الإمبريالية” التي يروّجها النظام، وصورة “الديكتاتور المعزول” التي ترفعها المعارضة، تبقى فنزويلا عالقة بين احتمال انفراج تفاوضي أو مواجهة قد تعمّق مأساة شعب أنهكه الفقر والهجرة.










