في يوم ما، بعد ملايين السنين، سيشق وادٍ عملاق بطول 4000 ميل شرق القرن الأفريقي ليتحول إلى بحر جديد، في واحدة من أكبر العمليات الجيولوجية الجارية على سطح الأرض. هذا الوادي — المعروف باسم وادي الصدع العظيم — يتوسع ببطء عامًا بعد عام تحت تأثير حركة الصفائح التكتونية، حيث تتعمق الأودية تدريجيًا وتنخفض الأرض، ما يجعل غمر المنطقة مستقبلًا بمياه البحر الأحمر أمرًا حتميًا.
لكن بالنسبة للمصور الجنوب أفريقي سيم كومبيون، الذي يُطلق على الوادي اسم “جرح أفريقيا”، فإن القصة ليست جغرافية فحسب؛ بل هي حكاية إنسانية–بيئية عن التعايش الهش بين البشر والطبيعة والحياة البرية، وهي رحلة كرّس لها أكثر من عشرين عامًا.
لقاء غيّر مسار حياته
بدأت علاقة كومبيون بالصدع في عام 2002، عندما اشترى سيارة لاند روفر وانطلق في رحلة برية استغرقت سبعة أشهر.
كان لقاؤه الأول مع بحيرة ناكورو في كينيا — بأسراب طيور الفلامنغو الوردية التي تغطي سطح الماء — لحظة فارقة. منذ ذلك الحين، لم يعد الصدع مجرد خلفية طبيعية لرحلاته، بل “كائن حي” يتغير ويؤثر على حياة الملايين.
ثوران “غير معتاد” لبركان إرتال في إثيوبيا وسحب دخان كثيفة تغطي عفار “صور”
مغامرات قاسية… وبراكين لا يمكن التنبؤ بها
في تنزانيا، حاول كومبيون تصوير بحيرة الحمم داخل بركان أول دوينيو لينجاي، متسلقًا الجبل وسط حرارة خانقة بلغت 35 درجة مئوية. وحين وصل إلى القمة، باغتته عاصفة أجبرته مع فريقه على الاحتماء في خيمة صغيرة طوال الليل — من دون التقاط أي صورة.
لم يستسلم. عاد لاحقًا إلى صحراء داناكيل في إثيوبيا لتوثيق بركان إرتا أليه، أحد أشد الأماكن حرارة على الأرض. هناك، تسببت الأمطار المفاجئة في إغماء حتى أفراد قبائل عفار المعروفة بصلابتها. وجد كومبيون نفسه يقدم إسعافات أولية للمنطقة بأكملها تقريبًا.
زلزالان قويان يهزان إثيوبيا ويؤثران على عشرات الآلاف
الناس الذين يعيشون في قلب التحول
مع مرور السنوات، أقام المصور علاقات وثيقة مع المجتمعات التي تعيش على طول الصدع، خصوصًا في وادي أومو في إثيوبيا، موطن قبائل سوري وبودي وكارو.
ورغم انتشار السياحة غير المنظمة، اختار كومبيون العمل مع مجموعات صغيرة لبناء علاقات قائمة على الاحترام. وعندما علم أن أطفال قبيلة سوري يُدرّسون بلغات غير لغتهم الأم، تعاون مع منظمة غير حكومية لتدريب معلمين قادرين على التدريس بلغتهم المحلية — برنامج يستفيد منه اليوم مئات الأطفال.
زلزال جديد يضرب إثيوبيا بالقرب من سد النهضة
وكان أيضًا من بين الملهمين له العالم البيئي الراحل مارك ستالمانز، الذي لعب دورًا كبيرًا في إعادة تأهيل متنزه غورونغوسا الوطني في موزمبيق وإعادة إحياء الحياة البرية فيه.
بين التنمية والضغط المناخي… التوازن الصعب
يتوسع العمران بسرعة على أطراف الصدع، بينما تُظهر مشاهد أخرى — مثل مزارع الرياح ومعاناة الصيادين مع تراجع مخزون الأسماك — حجم تأثير الإنسان في عصر الأنثروبوسين.
ويرى كومبيون أن الأمن الغذائي هو التحدي الأخطر، خصوصًا مع انخفاض مخزون الأسماك في البحيرات الكبرى. لكنه يشير أيضًا إلى مبادرات واعدة، مثل الزراعة التجديدية في إثيوبيا ومشاريع إدارة الأراضي بقيادة المجتمعات المحلية.
كما تنقل شبكة CNN، فإن التوازن بين الإنسان والطبيعة هو محور أعمال المصور.
وادٍ يمزّق… ويوحّد
يقول كومبيون:“لا أرى الحياة البرية والمناظر الطبيعية والبشر كعناصر منفصلة، بل كجزء من نظام واحد قائم على التأثير المتبادل.”
فالصدع، برأيه، يمزق القارة فيزيائيًا لكنه يوحّد سكانها من خلال قصصهم وتاريخهم المشترك. وما زال يحمل الكثير من الأسرار التي تنتظر من يكشفها.









