في ظل تكتم غير مسبوق داخل الديوان الملكي السعودي، تتزايد التساؤلات حول الوضع الصحي لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز (88 عاماً)، مع استمرار الغياب العلني للعاهل السعودي منذ أبريل 2025، ما أثار موجة من التكهنات داخل الأوساط السعودية والخليجية.
مصادر سعودية وخليجية تحدثت إلى «المنشر الإخباري» – شريطة عدم الكشف عن هويتها – أكدت أن الملك سلمان بن عبد العزيز يعاني من مشكلات صحية مزمنة، أبرزها التهابات رئوية متكررة واضطرابات مرتبطة بتقدم العمر، إلى جانب مشاكل في المفاصل.
ورغم ذلك، يصر الديوان الملكي على وصف حالة الملك سلمان بـ”المستقرة”، دون تقديم تفاصيل إضافية، مع الالتزام بسياسة الصمت حيال صحة الملك.
غياب علني وتصريحات مطمئنة
آخر ظهور طبي رسمي للملك سلمان يعود إلى بيان الديوان الملكي في أكتوبر 2024، الذي أكد إكماله فحوصات التهاب الرئة وتماثله للشفاء.
وفي حين طمأن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أعضاء مجلس الوزراء حينها، يرى مراقبون أن غياب الملك عن المشهد العام طوال عام 2025 يعزز الشكوك حول تدهور صحته.
الديوان الملكي يصر على اعتبار ملف صحة الملك سلمان “شأناً خاصاً”، ويمنع وسائل الإعلام المحلية من تناول الموضوع دون إذن مسبق، وهو نهج يتماشى مع التقليد السياسي السعودي في إدارة الملفات الحساسة داخل الأسرة الحاكمة.
إدارة داخلية محكمة وتكتم عائلي
وفق مصادر مقربة من دوائر صنع القرار، يتولى الأمير محمد بن سلمان إدارة الملف بالكامل، حيث يشرف على الإعلان عن أي تطورات رسمية، كما فعل في مايو 2024 عندما نفى شائعات حول وفاة الملك نُسبت إلى وسائل إعلام عبرية.
وتشير هذه المصادر إلى أن أفراد العائلة يلتزمون صمتاً صارماً بشأن الوضع الصحي، مع التركيز على تثبيت صورة الاستقرار داخل المملكة.
تدهور تدريجي منذ 2019
يعاني الملك سلمان من مشكلات صحية متراكمة منذ سنوات، مع انخفاض كبير في ظهوره العلني منذ 2019، واقتصار نشاطاته على لقاءات محدودة وبحضور إدارة طبية مستمرة.
ومنذ مبايعته ملكاً في يناير 2015، شهدت المملكة تحولات جذرية عُرفت بـ”العهد السلماني”، تزامنت مع توسع نفوذ ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بوصفه مهندس رؤية 2030 وقائد التحولات الاقتصادية والاجتماعية.
إرث “العهد السلماني” والتحولات
تولى الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير 2015، وشهدت فترة حكمه، التي يطلق عليها “العهد السلماني”، تحولات واسعة ومجموعة من الإنجازات غير المسبوقة.
إطلاق “رؤية 2030” التي حولت المملكة إلى ورشة عمل في جميع النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
التغييرات الاجتماعية فقد إلغاء بيروقراطية الحكم، وتمكين المرأة السعودية، وإقرار أنظمة جديدة تتعلق بالقضاء والعدل وحقوق الإنسان.
الدور الإقليمي والدولي: حي تأسيس تحالفات إقليمية ودولية لأول مرة، مثل التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب، وتحالف دعم الشرعية في اليمن، مما عزز الدور المتصاعد للمملكة.
وقد أكد الملك في كلمة تاريخية أمام مجلس الشورى عام 2017 على العودة إلى الإسلام المعتدل، ورفض التطرف والانحلال، وهو ما وضع الأسس لتطوير الأنظمة والتشريعات في المملكة.
على الصعيد الدبلوماسي، قاد الملك سلمان مرحلة توسع سياسي خارجية، شملت أكثر من 160 زيارة رسمية و29 قمة دولية، إلى جانب تأسيس تحالفات كبرى مثل التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب.
تثبيت الهوية الوطنية والانفتاح الديني
تميز العهد السلماني بإعادة إحياء الهوية السعودية عبر مبادرات الثقافة والتراث، وتفعيل دور «وزارة الثقافة»، وترميم المواقع التاريخية، وإعادة الاعتدال إلى الخطاب الإسلامي. وأكد ولي العهد في تصريحات عدة أن “المملكة ستعود إلى الإسلام الوسطي المعتدل”، مؤطراً بذلك مرحلة جديدة من الانفتاح.
في الوقت الذي يواصل فيه الملك سلمان الابتعاد عن الساحة العامة وسط غموض طبي مُحكم، يبرز ولي العهد بوصفه القائد الفعلي للمشهدين السياسي والتنفيذي في البلاد. وبينما تستمر التكهنات حول صحة الملك، يواصل النظام السعودي إظهار تماسك مؤسساتي يتمحور حول تعزيز الاستقرار الداخلي ومتابعة مسار «رؤية 2030» التي باتت العنوان الأكبر للعهد السلماني.










