ليبيا تستعد لتعديل وزاري شامل في 24 ديسمبر لتعزيز الحكومة وتحديث الوزارات، مع التركيز على الكفاءة والشباب والملفات الرقمية والأمنية، وسط متابعة دولية من الأمم المتحدة
أعلن مصدر سياسي وحكومي أن الإعلان عن التعديل الوزاري في ليبيا كان متوقعًا منذ أيام، ومن المتوقع أن يتم الإعلان عنه قبل أو في يوم 24 ديسمبر، وهو اليوم الذي يصادف ذكرى استقلال البلاد. حكومة الوحدة الوطنية الليبية (GUN) برئاسة عبد الحميد الدبيبة تستعد لإجراء تعديل وزاري يهدف إلى تعزيز أداء الحكومة ومواكبة المرحلة السياسية قبل أي احتمال للعودة إلى صناديق الاقتراع.
وكان أول إشارة رسمية قد صدرت في 16 ديسمبر، عندما أعلن GUN عن “إدخال تعديلات حكومية إصلاحية خلال الأيام المقبلة”، مشيرًا إلى أن هذه التدخلات ستشمل “تغطية المناصب الوزارية الشاغرة”، بهدف “رفع مستوى الكفاءة، تعزيز الأداء المؤسسي، وتوسيع نطاق الإجماع الوطني”. جاء هذا الإعلان في سياق انطلاق الحوار الهيكلي الذي أطلقته بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (UNSMIL)، مع تأكيد الرغبة في تجنب أي مراحل انتقالية جديدة.
وزير الدولة للشؤون السياسية والإعلام، وليد اللفي، أوضح في مقابلة مع قناة “ليبيا الأحرار” أن التعديل سيركز “أساسًا على معيار الكفاءة”، مع الاهتمام بالتمثيل الشبابي والتوزيع الجغرافي العادل لكافة مناطق البلاد. وأشار إلى أن التعديلات ستشمل وزارات سيادية ووزارات خدمية، بما في ذلك استبدال بعض الوزراء، وإعادة ترتيب بعض المناصب، وتغطية الشواغر، مع إدخال ملفات جديدة مثل وزارة لريادة الأعمال والشركات الناشئة، ووزارة دولة متخصصة في الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي، لتعزيز مواكبة الحكومة للتحولات التكنولوجية العالمية. ومع ذلك، أكد اللفي أن العدد الإجمالي للوزارات لن يزداد، وستبقى هيكلية الحكومة دون تغيير، مع احتمال تعديل أسماء بعض الوزارات أو الصلاحيات المفوضة.
وفقًا لمصادر رسميه ، تُجرى في طرابلس تقييمات غير رسمية لبعض المناصب الاستراتيجية، وعلى وجه الخصوص وزارة الخارجية التي قد يُسنَّد فيها الدور لشخصية شابة ذات خبرة طويلة في السلك الدبلوماسي وسجل مهني قوي، سبق أن شغلت مناصب رفيعة في إحدى المؤسسات التابعة للوزارة. هذه الخطوة من المتوقع أن تُعطي صورة أكثر ديناميكية لليبيا على المستوى الدولي، متماشية مع رسالة التوجه نحو المستقبل، دون فقدان صلة الجذور التاريخية، كما ظهر من خلال إعادة افتتاح المتحف الوطني الليبي في قلعة راس الأحمر بطرابلس. إلى جانب هذا الملف، تُداول أسماء دبلوماسيين قدامى، بعضهم مثل ممثلي ليبيا في الأمم المتحدة أو المسؤولين في الشبكة الدبلوماسية والقنصلية الأوروبية.
ويُعد ملف وزارة الخارجية حساسًا للغاية، لأن الوزارة تتكون من عدة مستويات قرار، بما في ذلك ثلاثة نواب للوزير (للشؤون السياسية، والشؤون الفنية، والإدارية والمالية) بالإضافة إلى الأمين العام للوزارة. وبناء على ذلك، قد لا يقتصر التعديل على القيادة السياسية للوزارة، بل قد يشمل الهيكل الإداري. في هذا السياق، لا يُستبعد أن يتم تكليف وزير الخارجية الحالي بالإنابة، طاهر البوار، بمنصب رفيع في الخارج، خاصة في بعثة ليبيا الدائمة لدى الأمم المتحدة أو في بروكسل.
أما وزارة الدولة للذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي، فهناك تقييمات قائمة على اختيار كوادر تقنية متخصصة ذات مؤهلات أكاديمية عالية، وخبرة في الابتكار والتحول الرقمي والسياسات التكنولوجية، بهدف تمكين الحوار مع المؤسسات الدولية والقطاع الخاص وتعزيز تحديث الدولة.
وبالنسبة لوزارة الداخلية، فهي تعتبر أحد الأعمدة الأساسية للتوازن السياسي والأمني في الغرب الليبي، حيث يُركز الوزير الحالي عماد الترابلسي على ملف الهجرة غير الشرعية، وهو موضوع حساس داخليًا ودوليًا، خاصة مع الشركاء الأوروبيين. ويُربط وزنه السياسي في الوزارة بروابطه القوية مع مدينة زنتان، التي تعد لاعبًا رئيسيًا في المعادلات العسكرية والسياسية، بما في ذلك القائد العسكري البارز أسامة الجويلي. ومن هنا، يُعتبر التحكم في وزارة الداخلية أمرًا محوريًا يتجاوز مجرد إدارة الأمن الداخلي، ويؤثر على التوازن بين المكونات المسلحة الغربية.
كما يظل ملف وزارة الدفاع حساسًا، حيث لا يزال المنصب شاغرًا رسميًا، بينما يزداد دور نائب وزير الدفاع، عبد السلام الزوبي، في إدارة القضايا الأمنية واحتواء التوترات بين الحكومة وبعض الوحدات المسلحة في العاصمة. وأفادت المصادر بأن الزوبي التقى بالقائد عبد الرؤوف كارة، قائد قوات الردع الخاصة (RADA)، بوساطة تركية، بهدف تقليل التصعيد العسكري المحتمل، خصوصًا في مناطق سوق الجمعة ومطار معيتيقة. وتتناول الخلافات السيطرة على المؤسسات الاستراتيجية، بما فيها مطار معيتيقة الدولي، وإدارة السجون ومراكز الاحتجاز. غياب وزير دفاع رسمي يزيد من وزن النواب والمساهمين الخارجيين في إدارة هذه الملفات.
على المستوى السياسي، يثير التعديل تساؤلات مهمة حول موقف السلطات في الشرق الليبي، المرتبطة بمجلس النواب في طبرق والمشير خليفة حفتر، التي لا تعترف بالحكومة الوطنية في طرابلس. كما يبقى الإطار القانوني للعملية غير واضح، حيث أن الحكومة فقدت ثقة مجلس النواب، ويأتي التعديل ضمن وضع مؤسسي هش، تستمر فيه مشروعية الحكومة محل جدل.
دوليًا، يراقب المجتمع الدولي هذا التعديل عن كثب، خصوصًا بعثة الأمم المتحدة ممثلة بالمبشرة الخاصة هانا تيتة، التي تقترح إجراء انتخابات خلال 12-18 شهرًا ضمن إطار انتخابي موحد، وتوحيد المؤسسات، وحوار وطني شامل. طرابلس ترفض فكرة حكومة انتقالية جديدة، معتبرة أن الحكومة الحالية يجب أن تقود البلاد حتى الانتخابات، مع غموض ما إذا كان التعديل سيُفسّر كخطوة نحو تحقيق خارطة الطريق الأممية أو كمبادرة داخلية لتعزيز سلطة GUN.
كما يرتبط التعديل بالاستعدادات للمرحلة الدستورية، حيث يُعتبر الاستفتاء على الدستور خطوة تمهيدية للانتخابات. تحتوي مسودة دستور 2017 على مواد حساسة مثل استبعاد العسكريين من الترشيح (حفتر على رأس القائمة)، وقواعد الجنسية المزدوجة ومتطلبات الترشيح الرئاسي، ما قد يؤثر على التوازن السياسي مستقبلاً. اختيار 24 ديسمبر كموعد للإعلان عن الحكومة الجديدة يحمل قيمة سياسية عالية، لكنه وحده لن يحل المشكلات الهيكلية التي تعيق استقرار ليبيا.










