حذر مركز الأبحاث الأمريكي المجلس الأطلسي من تنامي مؤشرات التقارب بين تونس وإيران، معتبرا أن هذا المسار قد يفتح المجال أمام انضمام تونس تدريجيا إلى ما يعرف بـ“محور المقاومة” الذي تقوده طهران في المنطقة.
وجاء هذا التحذير في مقال تحليلي نشره المركز عقب الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى تونس، والتي أعادت – بحسب التقرير – إحياء التكهنات حول مساعي إيران لتوسيع نفوذها في شمال أفريقيا عبر البوابة التونسية.
اتفاقيات ثنائية وتعاون اقتصادي متزايد
أشار المجلس الأطلسي إلى أن تونس وطهران تستعدان لتجديد الاتفاقيات الثنائية من خلال اجتماعات اللجان المشتركة، وتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية، بما في ذلك إعادة فتح الرحلات الجوية المباشرة بين البلدين.
وأضاف التقرير أن هذه الخطوات تأتي في سياق زيارات إيرانية رفيعة المستوى إلى المنطقة، بعد عام من زيارة الرئيس التونسي قيس سعيد إلى طهران للمشاركة في جنازة الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي، وهو ما يعكس – بحسب المركز – اهتماما إيرانيا متزايدا بشمال أفريقيا.
مكاسب اقتصادية متبادلة في ظل أزمات متفاقمة
يرى المجلس الأطلسي أن كلا البلدين قد يستفيدان من إعادة تنشيط الشراكات الاقتصادية والسياحية. فإيران تعاني من تراجع نفوذها الإقليمي بعد الخسائر التي لحقت بحلفائها خلال الحرب الأخيرة بين إسرائيل وحماس، في حين تواجه تونس عزلة دولية وأزمة اقتصادية خانقة، مع تزايد اعتمادها السياسي والاقتصادي على الجزائر.
تونس والبحث عن بدائل للدعم الأمريكي
اعتبر التقرير أن تعميق العلاقات التونسية–الإيرانية قد يمثل بديلا استراتيجيا في ظل تراجع الدعم الأمريكي لتونس.
وأشار إلى أن واشنطن، التي كانت الداعم الدولي الأبرز لتونس، قلصت مساعداتها في السنوات الأخيرة، ولم تعد تنظر إليها كشريك فاعل في مسار التحول الديمقراطي.
التقارب مع إيران وخدمة أجندة قيس سعيد
أكد المجلس الأطلسي أن هذا التقارب يخدم أجندة الرئيس قيس سعيد الشعبوية والمعادية للغرب، ويمنحه أدوات إضافية للحفاظ على شرعيته الداخلية، في ظل حملته الواسعة على المؤسسات السياسية والقضائية، وتبنيه خطابا يحمل الغرب مسؤولية الأزمات التونسية.
جذور العلاقات التونسية–الإيرانية
أوضح التقرير أن العلاقات بين تونس وإيران لم تكن تاريخيا وثيقة. فبعد الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979، تصاعدت مخاوف تونس من تصدير الأيديولوجيا الإسلامية، وهو ما دفع الرئيس الحبيب بورقيبة إلى قطع العلاقات عام 1987 عقب احتجاجات طلابية.
ورغم إعادة العلاقات في عهد الرئيس زين العابدين بن علي ضمن سياسة “صفر أعداء”، بقي التعاون الاقتصادي محدودا. وبعد ثورة 2011، رحبت طهران بصعود حركة النهضة، لكن دون تحقيق اختراقات حقيقية في العلاقات الثنائية.
سعيد وإيران: تقارب سياسي وأيديولوجي
يرى المجلس الأطلسي أن الرئيس قيس سعيد يرى في التقارب مع إيران فرصة لتعزيز خطابه المناهض للغرب وتكريس دعمه للقضية الفلسطينية، خاصة بعد تعديل دستور 2022 الذي أكد على “تحرير القدس كاملة”، وليس القدس الشرقية فقط.
الدور الجزائري في المعادلة الإقليمية
لفت التقرير إلى أن التقارب التونسي–الإيراني يعزز في الوقت ذاته العلاقة الاستراتيجية بين تونس والجزائر، التي أصبحت الحليف الإقليمي الأهم لتونس. وأشار إلى أن الجزائر كثفت دعمها لتونس منذ توقيع المغرب اتفاقيات أبراهام عام 2020، عبر قروض مالية، واتفاقيات اقتصادية، وتعاون عسكري وأمني متزايد.
إعادة رسم موقع تونس الجيوسياسي
خلص المجلس الأطلسي إلى أن استمرار هذا المسار قد يدفع تونس نحو محور إقليمي تقوده إيران والجزائر، ما قد يزيد من ابتعادها عن الغرب، ويعيد رسم موقعها الجيوسياسي في شمال أفريقيا، وسط مخاوف من تداعيات ذلك على استقرارها الداخلي وعلاقاتها الدولية.










