اجتماع إسطنبول المغلق: الإخوان يبحثون عن مخرج بعد تصنيف ترامب لهم بالإرهابيين
أجواء مشحونة بالترقب والحذر، انعقد مساء الجمعة في مدينة إسطنبول اجتماع موسع لقيادات جماعة الإخوان المسلمين المقيمة في الخارج، لبحث تداعيات قرار الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب، الذي أعاد إلى الساحة مجددًا قراره السابق بإدراج الجماعة على قائمة المنظمات الإرهابية، في خطوة وُصفت بأنها “رسالة سياسية” أكثر من كونها “إجراءً أمنيًا”.الاجتماع، الذي عُقد خلف أبواب مغلقة في أحد الفنادق المطلة على مضيق البسفور، جمع أبرز قيادات الجناح السياسي والإعلامي للجماعة، إلى جانب عدد من الشخصيات المقيمة في تركيا من دول عربية بينها مصر، الأردن، والسودان. وبحسب مصادر قريبة من الجماعة، استمر الاجتماع أكثر من خمس ساعات متواصلة، وتركّزت جلساته حول كيفية التعامل مع الموجة الجديدة من التصعيد الأمريكي والدولي ضدها.
دعوة عاجلة وردود محتدمة
وفق تسريبات حصلت عليها بعض وسائل الإعلام التركية المستقلة، جاءت الدعوة إلى الاجتماع بشكل عاجل بعد أن تناقلت الصحف الأمريكية والمؤسسات البحثية في واشنطن معلومات تفيد بأن وزارة الخارجية الأمريكية قد تفعّل قريبًا توصية قديمة كانت قد أُرجئت في عهد إدارة بايدن، لإدراج الجماعة مجددًا على اللائحة السوداء.
ناقش الاجتماع في بدايته الموقف القانوني للجماعة على الساحة الدولية، والخيارات المتاحة أمامها لتفنيد الاتهامات الأمريكية. وأكد أحد الحاضرين، الذي فضل عدم كشف هويته، أنّ عدداً من أعضاء المكتب السياسي شدّدوا على ضرورة التواصل مع منظمات حقوقية غربية لتقديم مذكرات دفاع توضح دور الجماعة كتنظيم سياسي اجتماعي، وليس حركة عنف كما تروّج واشنطن وبعض العواصم العربية
.نقاش داخلي محتدملم يخلُ الاجتماع من الخلافات الداخلية. إذ دارت نقاشات حادة بين جناحين داخل الجماعة: الأول يرى ضرورة اعتماد نهج سياسي هادئ يركّز على كسب التعاطف الدولي والإعلامي، والثاني يطالب بتعبئة أنصار الجماعة وتنظيم فعاليات احتجاجية في أوروبا وتركيا رفضًا للقرار الأمريكي.الجناح الثاني – الذي يميل إلى الخطاب الثوري – اتهم بعض القيادات المقيمة في تركيا “بالتقاعس عن الدفاع عن المبادئ”، معتبرين أن التصعيد الإعلامي ضروري لفرض ضغط معاكس على الولايات المتحدة وحلفائها العرب.
أما الجناح الأول فدعا إلى “عقلنة الموقف” وتجنّب أي صدام مباشر، محذرًا من أنّ أي تحرّك غير محسوب قد يمنح خصوم الجماعة مبررًا إضافيًا لوصمها بالإرهاب.خطة إعلامية جديدةمصادر مطّلعة تحدثت عن أنّ الاجتماع خلص إلى وضع خطة إعلامية جديدة تستند إلى ثلاثة محاور رئيسية
:تحريك قنوات الجماعة الإعلامية – خصوصًا تلك التي تبث من خارج مصر – لتوضيح ما تعتبره “تسييسًا أمريكيًا” للقضية.تدشين حملة إلكترونية عالمية على مواقع التواصل الاجتماعي تحمل وسم “#الإخوان_ليست_إرهابية”، بهدف كسب تعاطف الرأي العام.إعادة فتح قنوات الحوار مع أحزاب أوروبية وإسلامية لشرح مواقف الجماعة والترويج لصورتها كحركة سياسية معتدلة
.تأتي هذه التحركات بينما تشهد علاقة الجماعة مع بعض الدول الغربية توترًا، بعد أن صنّفت بريطانيا والنمسا وبلدان أخرى منظمات مرتبطة بها ككيانات “ذات صلة بالتطرف”.
ومع ذلك، يراهن الإخوان على استمرار المظلة التركية التي ظلت توفر لهم الحماية السياسية والإعلامية منذ عام 2013.الموقف التركي الرسميحتى اللحظة، لم تصدر الحكومة التركية بيانًا رسميًا بشأن الاجتماع.
غير أنّ مراقبين رأوا أنّ أنقرة تجد نفسها في موقف دقيق بين التزاماتها الدبلوماسية مع واشنطن وسياستها القديمة القائمة على استضافة قيادات الإخوان.يقول الباحث في الشؤون التركية الدكتور حسام التميمي إنّ تركيا “لن تتخلى بسهولة عن استضافة جماعة الإخوان، لكنها قد تدفعها إلى ضبط خطابها الإعلامي والسياسي تماشياً مع التوازنات الدولية الجديدة”.
وأضاف التميمي أنّ أنقرة “قد تسعى أيضًا إلى استثمار الموقف كورقة تفاوضية مع الإدارة الأمريكية في ملفات أخرى أكثر حساسية”.رسائل إلى الداخل المصري والخارجخلال الاجتماع، صيغت مسودة بيان موجهة إلى الرأي العام المصري والعربي، ينتظر صدوره خلال أيام.
وبحسب المعلومات المسربة، يتضمن البيان تنديدًا صريحًا بقرار تصنيف الجماعة إرهابية، إلى جانب دعوة لـ”الحوار الوطني الشامل” مع كل القوى السياسية العربية، بما فيها تلك التي تختلف مع فكر الإخوان.
كما حمل البيان دعوة إلى المجتمع الدولي لـ“الكف عن تسييس ملف الجماعات الإسلامية” واحترام حقها في العمل السلمي والسياسي. ويُتوقع أن يُرفق البيان بحملة إعلامية واسعة عبر المنصات الإلكترونية التابعة للجماعة في تركيا وقطر ولندن.
ردود أفعال متباينة
انتقدت جهات مصرية وعربية الخطوة التركية بالسماح بانعقاد الاجتماع، واعتبرتها “تحديًا للمجتمع الدولي” واستمرارًا لما وصفوه بـ“التواطؤ مع التنظيمات المتطرفة”.
بينما تباينت مواقف المراقبين في الغرب بين من يرى قرار ترامب الأخير محاولة لاسترضاء حلفاء إقليميين، ومن يراه تصحيحًا لمسار السياسة الأمريكية تجاه جماعة ذات تاريخ طويل في دعم الحركات الإسلامية عبر المنطقة.
المرحلة المقبلةتتزامن هذه التطورات مع تزايد الحديث عن إعادة الهيكلة التنظيمية داخل جماعة الإخوان في الخارج، بعد سنوات من الانقسام الحاد بين جناح لندن وجناح إسطنبول. ويوحي الاجتماع الأخير بأن الجماعة تسعى إلى تجاوز خلافاتها وإعادة توحيد صفوفها استعدادًا لمرحلة جديدة من المواجهة السياسية والإعلامية عالمياً.
في ختام الاجتماع، حرص المشاركون على التأكيد – بحسب مصدر مطلع – أن “الإخوان لن يتراجعوا عن نهجهم السلمي رغم التصنيف الأمريكي”، لكنهم أقرّوا بضرورة “تجديد الخطاب السياسي” بما يتلاءم مع التحولات الإقليمية والدولية.وبذلك، يبدو أنّ الصراع بين واشنطن والجماعة في طريقه إلى جولة جديدة لا تقل سخونة عن سابقاتها، وأنّ إسطنبول تظلّ ساحة مركزية لمناقشة مستقبل تنظيم أثار وما زال يثير جدلاً واسعًا في الشرق الأوسط والعالم.










