يعيش عز الدين أوناحي واحدة من أكثر فتراته توهجًا منذ تألقه في مونديال قطر، بعدما تحول في الشهور الأخيرة إلى أحد أعمدة وسط ملعب جيرونا الإسباني وإلى ركيزة فنية أساسية في مشروع منتخب المغرب قبل كأس أمم أفريقيا 2025.
وبين انتفاضته في الليغا، وعودته لقائمة أسود الأطلس بعد فترة إصابة، وبدء العروض القوية من أندية أكبر، يبدو أن مسيرة اللاعب تدخل منعطفًا جديدًا يحمل كثيرًا من الوعود… وكثيرًا من الضغوط أيضًا.
انتقال حوّل المسار إلى جيرونا
انتقل أوناحي نهائيًا من أولمبيك مارسيليا إلى جيرونا في صفقة بلغت حوالي 6 ملايين يورو بعد فترة إعارة في باناثينايكوس، مع عقد يمتد حتى صيف 2030.
النادي الكتالوني راهن عليه في لحظة كان فيها اللاعب يعاني من تراجع الثقة بعد تجربة غير ناجحة في مارسيليا، لكن هذا الرهان تحوّل إلى مكسب رياضي واضح خلال النصف الأول من الموسم.
جيرونا منحه مساحة حقيقية للعب في مركزه المفضل كوسط متقدم صاحب حرية في التحرك بين الخطوط، وهو ما افتقده في فترات طويلة بفرنسا، ليبدأ في استعادة النسخة التي خطفت أنظار العالم أمام إسبانيا والبرتغال في مونديال 2022.
بهذا الانتقال، استعاد أوناحي بيئة تناسب أسلوبه القائم على التمرير العمودي، والتحرك المستمر، واللمسة الفنية في المناطق الضيقة.
أرقام لافتة وعروض مغرية
بعد أربعة أشهر تقريبًا من التوقيع مع جيرونا، خاض أوناحي 10 مباريات في الليغا بواقع 784 دقيقة، ساهم خلالها في 5 أهداف (3 أهداف و2 صناعة)، معظمها أمام منافسين من النصف العلوي في جدول الترتيب.
هذه الأرقام جعلته من بين أكثر لاعبي الوسط تأثيرًا في الفريق، وأحد مفاتيح اللعب الهجومي في منظومة المدرب ميشيل التي تعتمد على بناء اللعب من العمق.
هذا الانفجار الفني دفع نادي فياريال إلى التحرك المبكر استعدادًا للميركاتو الصيفي، حيث أشارت تقارير إلى استعداد “الغواصات الصفراء” لتقديم عرض يقترب من 20 مليون يورو لانتداب الدولي المغربي، وهو ما يمثل قفزة كبيرة مقارنة بمبلغ شرائه من مارسيليا.
جيرونا، بدوره، يدرك أن لاعبًا بعمر 25 عامًا وبمنحنى تصاعدي قد يكون ورقة اقتصادية مهمة، لكن الإدارة تبدو حريصة على الاستفادة منه رياضيًا أولاً قبل التفكير في بيعه.
بين الإصابة والعودة بقوة
تعرض أوناحي في أكتوبر الماضي لإصابة عضلية تسببت في ابتعاده عن معسكر المنتخب المغربي ومباريات مهمة مع جيرونا، وسط قلق من تأثيرها على جاهزيته لموسم مزدحم.
لكن التطورات الطبية إيجابية؛ حيث عاد تدريجيًا للمشاركة مع ناديه قبل نهاية العام، ثم استعاد مكانه في تشكيلة المغرب قبل انطلاق كأس أمم أفريقيا.
تقارير صحفية أكدت أن اللاعب استعاد جزءًا كبيرًا من لياقته وإيقاعه مع جيرونا قبل الانضمام للمنتخب، وهو ما شجع وليد الركراكي على الاعتماد عليه مجددًا في وسط الملعب، خاصة مع حاجة الفريق للاعب يجيد الربط السلس بين الدفاع والهجوم تحت ضغط المباريات الكبرى.
هذه العودة جاءت في توقيت حاسم، إذ يراهن الشارع المغربي على جيل مونديال قطر لقيادة مشروع التتويج القاري فوق أرض المغرب.
دور حاسم مع المغرب في الكان
دخل أوناحي كأس أمم أفريقيا 2025 وهو أحد الأسماء المنتظرة لقيادة وسط الأسود إلى مستوى جديد من الإبداع والفعالية، بجانب نجوم مثل أشرف حكيمي وبrahim دياز وأيوب الكعبي.
في التحضيرات، رُشِّح لاعب جيرونا ليكون من أبرز نجوم البطولة إذا حافظ على نفس النسق الذي أظهره في الليغا، سواء من ناحية صناعة الفرص أو التسديد من خارج المنطقة.
في مباراة الافتتاح أمام جزر القمر، برز اسم أوناحي في التقارير بالتسديد على مرمى الحارس وإضفاء كثافة هجومية من العمق، رغم أن أهداف الفوز جاءت بتوقيع دياز والكعبي.
ظهوره في هذه النسخة من الكان يحمل بعدًا خاصًا، لأنه يأتي بعد مرحلة وُصف فيها بالموهبة “المتقطعة” بين إصابات وتذبذب مستوى، لتصبح البطولة فرصة لتثبيت صورة لاعب جاهز للمواعيد الكبرى.
أوناحي بين أسطورة المونديال وضغط الواقع
منذ أن أشاد به لويس إنريكي علنًا بعد مواجهة إسبانيا في مونديال 2022، بات اسم أوناحي مرتبطًا بصورة لاعب الوسط العصري الذي يجمع بين الجرأة الفنية والالتزام التكتيكي.
لكن الواقع لم يكن دائمًا في صالحه؛ فالتجربة مع مارسيليا شهدت تراجعًا في الدقائق وتضاربًا في الأدوار داخل الملعب، ما أدى لانتقادات حادة واتهامات بعدم التطور كما كان متوقعًا.
اليوم، ومع انتفاضته في جيرونا وعودته القوية مع المنتخب، يحاول أوناحي تحويل هذه الصورة من “وعد لم يكتمل” إلى ركيزة ثابتة في مشروع مغربي يطمح للهيمنة إقليميًا وقاريًا.
نجاحه أو تعثره في الكان، وفي إدارة ملف العروض الأوروبية القادمة، سيحدد إلى حد بعيد ما إذا كان سيبقى مجرد أيقونة مونديالية عابرة، أم نجم وسط مستقر على المدى الطويل.










