الأرصاد تُحذِّر والحكومة تتفرج.. من يحمي جنوب ليببا
من فيضانات ديسمبر؟
ليبيا تعيش هذه الأيام أجواءً شتوية متقلبة بين فترات من الشمس الهادئة على الساحل وتقلبات مطرية ورياح نشطة تُبقي البلاد في حالة ترقّب، خاصة بعد التحذيرات المتكررة من العواصف الرعدية وخطر السيول في بعض المناطق خلال ديسمبر.
وبينما تميل درجات الحرارة إلى الاعتدال نهارًا والبرودة ليلًا، يظل هاجس تكرار سيناريو الفيضانات حاضرًا في وعي الليبيين بعد كارثة درنة، وسط تساؤلات حادة حول جاهزية الدولة ومنظومة الإنذار المبكر لأي موجة طقس عنيفة جديدة.
ملامح الطقس الآن
تشير التوقعات إلى أجواء يميل فيها الطقس إلى البرودة مع درجات عظمى تدور غالبًا بين نحو 13 و19 درجة مئوية في عموم ليبيا خلال ديسمبر، مع نشاط أكبر لتقلبات الطقس على الساحل الشمالي.
وتُظهر خرائط الطقس أن المدن الساحلية مثل طرابلس تشهد هذه الأيام طقسًا مشمسًا إلى غائم جزئيًا مع درجات عظمى تقارب بداية العشرينات المئوية على مقياس السيليزيوس نهارًا، يقابلها انخفاض ملحوظ ليلًا ورياح خفيفة إلى معتدلة.
في المقابل، تبدو المناطق الداخلية والصحراوية أكثر برودة ليلًا مع هواء جاف وسماوات غالبًا صافية، ما يرفع نسب الفوارق الحرارية بين الليل والنهار ويزيد الإحساس بالبرد في ساعات الصباح الأولى.
ولا تُسجَّل حاليًا موجة مطرية عارمة واسعة الانتشار، لكن المؤشرات المناخية لشهر ديسمبر تظل مرتبطة بعدد كبير من الأيام الممطرة مقارنة بباقي شهور العام.
تحذيرات من عواصف وسيول
خبراء في علوم الأرض في جامعة بنغازي حذّروا أخيرًا من احتمالية حدوث عواصف رعدية وأمطار غزيرة قد تؤدي إلى سيول في عدد من مناطق ليبيا، خاصة في الفترات التي يلتقي فيها الهواء الدافئ مع كتل هوائية باردة قادمة من الشمال.
ويرى هؤلاء المتخصصون أن المشكلة ليست فقط في شراسة المنخفضات الجوية، بل في ضعف منظومة مراقبة مناسيب المياه في السدود وتقصير أعمال الصيانة، إلى جانب نقص التوعية الشعبية بمخاطر التواجد في مجاري الأودية أثناء الأمطار.
هذه التحذيرات تُقرأ دومًا على خلفية ما حدث في شرق ليبيا خلال عاصفة «دانيال» التي حملت كميات استثنائية من الأمطار وصلت في بعض المدن إلى أكثر من 400 ملم خلال 24 ساعة، متسببة في انهيار سدود وحدوث فيضانات كارثية.
ومنذ تلك الفاجعة، تحوّل أي إنذار جوي جديد إلى مصدر قلق شعبي، مع مطالبات واسعة بأن تُدار الأزمات المناخية كملف أمن قومي لا كحالة طارئة عابرة.
ذاكرة درنة الثقيلة
التقارير الدولية أكدت أن ما جرى في درنة كشف ثغرات خطيرة في الربط بين تحذيرات المركز الوطني للأرصاد والجهات التنفيذية المسؤولة عن الإجلاء وإدارة الكوارث، إذ صدرت إنذارات مبكرة لكن الاستجابة على الأرض كانت متأخرة ومجزأة.
وتقول منظمات أممية إن الأمطار القياسية المصاحبة للعاصفة والرياح العاتية أدت إلى انهيار البنية التحتية المنهكة أصلًا، في ظل غياب صيانة حقيقية للسدود وغياب نظام إنذار مبكر متعدد المخاطر يغطي كل المدن.
اليوم، ومع كل تحديث جديد للطقس يتحدث عن أمطار غزيرة أو منخفضات عميقة، يعود اسم درنة إلى الواجهة كرمز لفشل الدولة في حماية مواطنيها من الطقس المتطرف، وكجرس إنذار يدعو إلى عدم تكرار الكارثة.
هذا البعد النفسي يجعل الليبيين أكثر حساسية تجاه أي تقارير عن عواصف أو سيول، ويضع السلطات أمام اختبار الشفافية في نشر المعلومات والتعامل الجاد مع تحذيرات الأرصاد.
ماذا يحتاجه الليبيون من الدولة؟
الخبراء يشددون على أن تقلبات الطقس في ليبيا خلال الشتاء ليست جديدة، لكن حدّة بعض المنخفضات المتوسطية الأخيرة، وارتفاع عدد الأيام الممطرة في ديسمبر، تحتم تحديث خطط إدارة السيول في المدن الرئيسية والقرى القريبة من الأودية.
ويطالبون بتوفير أنظمة قياس ورصد لمناسيب المياه في السدود وتطوير شبكة تصريف الأمطار داخل المدن، إلى جانب حملات توعية مستمرة تمنع تكرار مشاهد الانجراف بالمركبات والسكان في مجاري السيول.
في ظل الأجواء الحالية التي تجمع بين طقس مائل للاعتدال على الساحل وتقلبات محتملة في الداخل والجنوب، يظل السؤال الأهم: هل تتحرك السلطات الليبية لتجهيز بنية تحتية و«دولة طقس» قادرة على حماية الناس، أم يبقى المواطن هو خط الدفاع الأول والأخير أمام أمطار مفاجئة ورياح لا تعترف بحدود ولا انقسامات سياسية؟










