ازمة ريهام عبدالغفور : هل تحمي القوانين المصرية جسد الفنانات من عدسات تتغذى على اللقطة المهينة؟
أزمة ملابس الفنانة المصرية ريهام عبدالغفور تحولت خلال الساعات الأخيرة من مجرد جدل حول «فستان قصير» في عرض خاص لفيلم جديد إلى قضية رأي عام عن انتهاك الخصوصية وحدود المهنية في تصوير الفنانين.
ما بين صور التقطت خلسة، وبيانات نقابية غاضبة، ورسالة حادة من ريهام نفسها، اتسعت الأزمة لتتجاوز الحديث عن «إطلالة جريئة» إلى أسئلة أعمق عن أخلاقيات السوشيال ميديا والاصطياد الرخيص للقطات مسيئة.
القصة بدأت عندما حضرت ريهام عبدالغفور العرض الخاص لفيلمها الجديد «خريطة رأس السنة»، وظهرت بفستان قصير من توقيع دار أزياء عالمية، قُدّر سعره بنحو 33 ألف جنيه، بإطلالة وصفتها صفحات الموضة بأنها أنيقة وكلاسيكية.
أثناء جلوسها في القاعة، التقطت عدسات بعض المصورين والهواتف المحمولة لقطات لها وهي تضع «رجل على رجل» بعد إضاءة الصالة، ليتم اقتناص زوايا حادة وغير مريحة تم تداولها خارج سياقها على السوشيال ميديا.
سرعان ما انتشرت الصور تحت عناوين مثيرة من نوع «صور ملابس ريهام عبد الغفور» و«فستان مكشوف يضعها في أزمة»، في حالة ترويج ركزت على جسد الفنانة أكثر من فيلمها أو محتوى مشاركتها الفنية، ما اعتبره كثيرون «متاجرة رخيصة» بصورة امرأة تم تصويرها دون احترام لزاوية أو لحظة الجلوس.
موقف ريهام عبدالغفور ورد فعلها
ريهام عبدالغفور لم تصمت، بل عبّرت عن غضبها الشديد عبر حسابها على فيسبوك، ووصفت اليوم الذي سمح بانتشار مثل هذه الصور بأنه «يوم أسود»، مؤكدة أن وجود هواتف بكاميرات منح «شوية كائنات حقيرة» فرصة للتغذي على أهداف رخيصة.
كلماتها حملت اتهامًا مباشرًا لمن تعمد التقاط اللقطة من زاوية غير ملائمة، وتحويلها إلى مادة للابتزاز المعنوي والتشهير، في وقت كانت فيه الفنانة تمارس حقها الطبيعي في حضور عرض عملها السينمائي.
رسالة ريهام لم تقتصر على الغضب الشخصي، بل ألمحت إلى شعور عام بالظلم، امتدادًا لحالات سابقة تعرضت فيها للتنمر على شكلها أو عمرها أو تجاعيد وجهها بعد ظهورها في فيديوهات عبر تيك توك، ما جعلها ترى أن هناك نمطًا متكررًا من استهدافها لا يتصل بالعمل الفني بقدر ما يتصل بصورة المرأة في أعين المجتمع.
موقف النقابة وحملة التضامن
نقابة المهن التمثيلية برئاسة أشرف زكي أصدرت بيانًا حادًا اعتبرت فيه ما تعرضت له ريهام عبدالغفور «تجاوزًا صارخًا وغير مقبول» وإساءة مباشرة لصورة الفن المصري ومكانته، مؤكدة أنها لن تتهاون مع أي فعل يشوه صورة الفنانين أو يستخدم صورهم في سياق مهين.
البيان دعا المؤسسات الإعلامية «الشريفة» إلى التضامن مع النقابة في مواجهة ما وصفه بـ«الانفلات» في التداول غير الأخلاقي لصور الفنانين، والتربح من انتهاك خصوصيتهم تحت لافتة «الترند» والمشاهدة.
في الموازاة، شهدت الساعات الأخيرة موجة تضامن واسعة مع ريهام من زملائها في الوسط الفني والإعلامي، حيث وصفت فنانات مثل نجلاء بدر ما حدث بأنه «متاجرة رخيصة» وانتهاك فج لحرمة الجسد، وهاجم كثيرون منتهكي الخصوصية أكثر من انتقادهم الفستان أو أسلوب الجلوس ذاته.
هذا التحول في بوصلة الغضب من ملابس ريهام إلى سلوك المصورين والمتلقين، أعاد النقاش إلى جذوره: من المخطئ فعلاً؟
من ترتدي فستانًا قصيرًا في مناسبة فنية، أم من يصطاد لحظة شخصية ليصنع منها فضيحة؟
بين حرية الجسد وابتزاز الصورة
أزمة ريهام عبدالغفور تسلط الضوء على منطقة رمادية في المشهد الفني والإعلامي المصري؛ فبين خطاب محافظ ينتقد ملابس الفنانات وخطاب حقوقي يدافع عن حرية الجسد، يبرز طرف ثالث يستغل الصراع لصناعة محتوى رائج على حساب سمعة الإنسان.
انتشار الصفحات التي تبني متابعتها على «تسريب» صور النجوم من زوايا محرجة، يطرح سؤالًا عن حدود المسؤولية القانونية والأخلاقية لتلك المنصات، ومدى حاجة الوسط الفني لتشريعات تحاسب من ينشر صورة مُسيئة التُقطت دون علم صاحبها.
ورغم أن ريهام اعتادت في السنوات الأخيرة تقديم أدوار جريئة ومعقّدة في الدراما والسينما، فإن الأزمة الحالية تكشف تناقضًا مؤلمًا: فنانة تجسد على الشاشة ضحايا العنف والوصم، ثم تجد نفسها خارجها هدفًا لعنف بصري ووصم رقمي من نوع آخر، تحركه عدسة متربصة وتعليقات جاهزة للإعدام الأخلاقي.
في النهاية، تبدو «أزمة الفستان» أقل خطورة من أزمة ذهنية ترى في كل امرأة فنانة مشروع «فضيحة» مؤجلة، بمجرد أن تومض كاميرا في يد لا ترى في الصورة سوى فرصة للنقرات، لا إنسانًا له كرامة وحدود










