هزّت قضية انتحال صفة «أمير سعودي مقرّب من الديوان الملكي» الأوساط السياسية والإعلامية في لبنان، بعد انكشاف شبكة احتيال نجحت لسنوات في خداع نواب وشخصيات عامة عبر وعود وهمية بدعم سعودي ومناصب سياسية، مستفيدة من الفراغ الدبلوماسي وضعف قنوات التواصل الرسمية في مرحلة سابقة.
كيف بدأت القصة؟
بحسب روايات متطابقة، جرى الترويج لشخص يُدعى «أبو عمر» على أنه أمير سعودي نافذ وقادر على التأثير في القرار السياسي اللبناني، عبر وسيط محلي هو الشيخ خلدون عريمط، الذي قُدِّم على أنه حلقة الوصل مع مراكز القرار في الرياض.
كان السيناريو بسيطًا وخطيرًا في آنٍ واحد:
إقناع سياسيين بأن المملكة راضية عنهم، ثم عرض «تسهيل» التواصل مع مسؤولين سعوديين مقابل أموال، هدايا، أو امتيازات مباشرة وغير مباشرة.
الأمير الوهمي
لاحقًا، تبيّن أن «الأمير أبو عمر» ليس سوى شخص لبناني من منطقة عكار يُدعى مصطفى الحسيان، يعمل في مهنة بسيطة، لكنه أتقن تقليد اللهجة الخليجية ولعب دورًا محكمًا عبر الهاتف، ما عزز الوهم لدى ضحاياه.
وكان «أبو عمر» يطلب من السياسيين بشكل مباشر «الاهتمام بالشيخ خلدون عريمط»، ما أدى إلى تدفق أموال ورواتب شهرية وهدايا على الأخير، بحسب ما يتم تداوله في التحقيقات الأولية.
تأثير سياسي وانتخابي
لم تتوقف الخدعة عند حدود الوعود، بل امتدت – وفق مصادر مطلعة – إلى التأثير في انتخابات نيابية وبلدية، عبر دفع مرشحين للانسحاب أو دعم آخرين، بزعم وجود غطاء ودعم سعودي قادم.
وشملت الدائرة شخصيات من طوائف متعددة، مع تركيز خاص على البيئة السنية.
كيف انكشفت الخدعة؟
ساهم شرط أساسي فرضه «أبو عمر» في استمرار الاحتيال طويلًا، وهو منع أي تواصل رسمي مع السفارة السعودية أو القنوات الدبلوماسية، بحجة «حساسية المهمة».
لكن مع عودة النشاط الرسمي للسفارة السعودية في بيروت، بدأت الشكوك تتصاعد، خاصة بعد غياب «الأمير المزعوم» عن أي محفل رسمي سعودي.
اللحظة الحاسمة جاءت عندما طرح أحد السياسيين اسم «أبو عمر» خلال تواصل مباشر مع مسؤول سعودي، لتبدأ بعدها التحقيقات المشتركة التي كشفت حقيقة الشبكة.
اعتقال ونفي
تم توقيف مصطفى الحسيان عند الحدود اللبنانية، وأقرّ خلال التحقيقات بأنه تصرف بناءً على توجيهات خلدون عريمط، وفق ما نُقل إعلاميًا.
في المقابل، نفى عريمط في بيان رسمي أي تورط، مؤكدًا أنه تقدم بإخبار إلى النيابة العامة ضد من يتهمونه، ومشددًا على أنه لم يُستدعَ لأي تحقيق حتى الآن.
أسئلة بلا إجابة
القضية فتحت بابًا واسعًا من التساؤلات:
• كيف نجحت هذه الخدعة لسنوات دون تدقيق؟
• من المستفيد الحقيقي من الأموال التي دُفعت؟
• وهل كشفت القضية هشاشة خطيرة في طريقة تعامل بعض السياسيين مع النفوذ الخارجي؟
فيما تنفي مصادر سعودية رسمية أي علاقة لها بالملف، تبقى القضية اختبارًا قاسيًا للشفافية والمحاسبة في المشهد السياسي اللبناني.










