في تصريح أثار موجة من النقاشات الاقتصادية والسياسية، وصفه مراقبون بـ “المفاجأة الثقيلة”، أعلن رئيس الوزراء المصري، الدكتور مصطفى مدبولي، أن الحكومة تتبنى خطة طموحة لخفض حجم الدين العام إلى مستويات لم تشهدها البلاد منذ نحو 50 عاما (أي أوائل السبعينيات)، وهو ما يعني استهداف العودة بالدين إلى ما دون 50% من الناتج المحلي الإجمالي.
الواقع الرقمي: جبل من الديون تحت المجهر
يأتي وعد الحكومة في وقت تشير فيه البيانات الرسمية إلى واقع اقتصادي معقد؛ حيث بلغ إجمالي الدين العام حتى سبتمبر 2025 نحو 10.4 تريليون جنيه، وهو ما يعادل تقريبا 165% من الناتج المحلي الإجمالي.
توزيع خريطة الديون الحالية:
الدين الخارجي: وصل إلى 165 مليار دولار بنهاية 2025، مقارنة بـ 148 مليار دولار في 2020.
الدين الداخلي: يقدر بنحو 7.75 تريليون جنيه.
عبء الفوائد: تستهلك فوائد الديون سنويا أكثر من 1.2 تريليون جنيه، أي ما يعادل 20% من الموازنة العامة، مما يضع ضغوطا هائلة على بنود التعليم والصحة.
السياق التاريخي: العودة إلى “زمن الاستقرار السوفيتي”
تطمح الحكومة للعودة بذاكرة الاقتصاد إلى عام 1970، حين كان الدين الخارجي لا يتجاوز 2 مليار دولار (أقل من 20% من الناتج المحلي).
ومنذ ذلك الحين، مر الدين بمحطات صعود حادة، خاصة في الثمانينيات، ثم الانتكاسة الكبرى ما بعد 2011، وصولا إلى القفزات الناتجة عن جائحة كورونا وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.
كيف ستنفذ الحكومة “الوعد الدرامي”؟
أوضح مدبولي أن الحكومة تعول على “نمو مستدام يتراوح بين 6-7%”، مستندة إلى عدة ركائز:
صفقات كبرى: استثمار نجاح صفقة “رأس الحكمة” (35 مليار دولار) وجذب استثمارات خليجية إضافية بـ 50 مليار دولار.
برنامج الخصخصة: طرح 40 شركة حكومية للبيع بقيمة مستهدفة تصل لـ 100 مليار جنيه.
إعادة الهيكلة: تمديد آجال ديون خارجية بقيمة 20 مليار دولار مع السعودية والإمارات لتقليل ضغط السداد الفوري.
التقشف المالي: خفض العجز المالي إلى 7% عبر تقليص دعم الوقود والكهرباء.
تحديات هيكلية وشكوك اقتصادية
رغم التفاؤل الحكومي، يحذر خبراء اقتصاد من “عقبات هيكلية” قد تعيق هذا الطموح، أبرزها:
الفائدة المرتفعة: وصول سعر الفائدة على سندات الخزانة إلى 25% يجعل تكلفة الاقتراض المحلي باهظة.
التضخم: معدل تضخم بلغ 28% في نوفمبر 2025 يزيد من كلفة المشروعات القومية والخدمات.
الاعتماد الخارجي: لا تزال 60% من الديون الخارجية قصيرة الأجل، مما يجعل الاقتصاد رهينة لتقلبات سعر الصرف.
موقف المعارضة: اتهمت قوى سياسية، منها حزب الوفد، الحكومة بـ “التضليل”، مشيرة إلى أن الدين قفز بنسبة 50% منذ 2022، وأن المواطن هو من يدفع فاتورة التقشف عبر ارتفاع أسعار السلع الأساسية بنسبة 35%.
هل يتحقق الحلم؟
يمثل تصريح مدبولي “رهانا سياسيا” عالي المخاطر؛ فنجاحه يعني استقرار سعر الصرف وانخفاض التضخم وتعزيز القدرة الشرائية للمصريين، أما الفشل في تحقيق هذه الأرقام “التاريخية” فقد يؤدي إلى مزيد من الضغوط المعيشية واتساع فجوة الثقة بين الشارع وصناع القرار الاقتصادي.










