في خطوة كشفت عن تباين حاد في المواقف العربية تجاه ملف القرن الإفريقي، برزت كل من الإمارات والمغرب والبحرين كأبرز الغائبين عن بيان الإدانة الجماعي الذي أصدرته 21 دولة عربية وإسلامية، ردا على اعتراف إسرائيل بـأرض الصومال “صوماليلاند” كدولة مستقلة في 26 ديسمبر الجاري.
غياب عن “الإجماع الرافض”
بينما سارعت دول ثقيلة مثل (السعودية، مصر، الأردن، وتركيا) إلى التوقيع على بيان مشترك يحذر من “تفتيت الصومال” وتهديد أمن البحر الأحمر، حافظت أبوظبي والرباط (إلى جانب المنامة) على صمت رسمي مطبق، وهو ما يرجعه مراقبون إلى جملة من الحسابات الاستراتيجية المعقدة.
الموساد والخطط السرية: كيف وصلت إسرائيل للاعتراف بصوماليلاند أرض الصومال ؟
المصالح الإماراتية: “بوابة بربرة” الاستراتيجية
تعد الإمارات الشريك الأقوى لأرض الصومال؛ حيث تدير شركة “موانئ دبي العالمية” ميناء بربرة الاستراتيجي.
وتأمين سلاسل الإمداد: تحويل بربرة إلى مركز إقليمي ينافس جيبوتي يمنح الإمارات سيطرة على ممر حيوي يربط إثيوبيا (السوق الضخم) بالعالم.
ويرى محللون أن الاعتراف الإسرائيلي يتقاطع مع رؤية أبوظبي في تأمين الملاحة في خليج عدن ومواجهة التهديدات الحوثية.
الإمارات تتوسط لصالح إسرائيل لإنشاء قاعدة عسكرية في أرض الصومال
البعد العسكري: وجود قاعدة عسكرية إماراتية قريبة من الميناء يساعد في تأمين الملاحة ضد تهديدات الحوثيين، وهو هدف تشترك فيه مع إسرائيل الساعية لتأمين ممراتها نحو إيلات.
وتعزيز الوجود العسكري واللوجستي في منطقة حساسة تشرف على مضيق باب المندب، وحماية مصالحها الاستراتجية في استثمارات الموانئ على البحر الأحمر وباب المندب حيث تعد الإمارات من أبرز الدول المستمرة في أرض الصومال.
اعتراف إسرائيل: هل عادت خطط تهجير الفلسطينيين للواجهة عبر بوابات أرض الصومال؟
كذلك تشكل أرض الصومال مع ولاية بونتلاند الصومالية مناطق نفوذ إماراتي وأهمية خاص لثرواتهم من المعادن النفيسية والنفط والغاز.
حيث تمتلك منطقة أرض الصومال وولاية بونتلاند المجاورة لها (التي تتمتع بنفوذ إماراتي واسع أيضا) ثروات غير مستغلة من المعادن والنفط
نتنياهو يوسع نفوذ إسرائيل في القرن الأفريقي:اعتراف إسرائيل بأرض الصومال يشعل غضب مصر وتركيا والخليج
وتوجد احتياطيات من الذهب والنحاس والمنغنيز، اعتراف إسرائيل قد يفتح الباب أمام شركات تكنولوجيا وتعدين متطورة للعمل تحت مظلة أمنية مشتركة.
ووجود استقرار سياسي مدعوم باعترافات دولية يسهل عمليات التنقيب عن النفط والغاز التي تهتم بها شركات مرتبطة بمحور “اتفاقيات إبراهيم”.
اعتراف إسرائيل: هل عادت خطط تهجير الفلسطينيين للواجهة عبر بوابات أرض الصومال؟
تتبنى الإمارات منذ سنوات سياسة التعامل مع “الأمر الواقع”. فبينما يتمسك العالم بوحدة الصومال (التي تعاني من عدم استقرار)، ترى الإمارات أن أرض الصومال هي الشريك “الأكثر استقرارا وموثوقية”.
الخطوة الإسرائيلية تكسر الجمود الدولي، مما يقلل من الضغوط الدبلوماسية على الإمارات لمشاريعها هناك.
مصر والسعودية وتركيا وإيران دول عربية وإسلامية في بيان مشترك ترفض اعتراف إسرائيل بأرض الصومال
المغرب ومبدأ “المعاملة بالمثل”
يأتي الموقف المغربي مدفوعا بحسابات سياسية دقيقة تتعلق بملف الصحراء المغربية:
اتفاقيات إبراهيم حيث تلتزم المغرب بروح التحالف مع إسرائيل خاصة بعد اعتراف الأخيرة بسيادة المغرب على الصحراء الغربية ورفض “الجمهورية الصحراوية” بقيادة البوليساريو المدعومة من الجزائر.
إسرائيل تكشف عن شرطها للاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء المغربية
التناقض الإفريقي:
يرى المغرب تناقضا صارخا؛ فكيف يعترف الاتحاد الإفريقي بـ “الجمهورية الصحراوية” (البوليساريو) وهي كيان لا يملك مقومات الدولة، بينما يرفض الاعتراف بـ “أرض الصومال” التي تملك جيشا، وعملة، وبرلمانا، واستقرارا دام لثلاثة عقود.
ومن خلال عدم إدانة الخطوة الإسرائيلية، يضغط المغرب لفتح نقاش إفريقي حول جدوى الاعتراف بكيانات “انفصالية” (من وجهة نظر خصومه) مقابل كيانات “واقعية” (مثل صوماليلاند)، مما يضع جبهة البوليساريو في زاوية حرجة.
مع علاقة “الاحتجاجات” في المغرب بتطوير العلاقات مع إسرائيل ؟
وترى الرباط تناقضا في مواقف الاتحاد الإفريقي الذي يعترف بـ “الجمهورية الصحراوية” (غير المعترف بها أمميا) بينما يرفض الاعتراف بأرض الصومال، وهو ما يجعل المغرب يميل إلى عدم التصادم مع أي خطوة تعيد صياغة الاعترافات الدولية في القارة السمراء.
التزام اتفاقيات التطبيع
يشكل الانخراط في “اتفاقيات إبراهيم” مظلة لهذا الموقف؛ إذ أبدت “أرض الصومال” رغبة صريحة في الانضمام لهذه الاتفاقيات، مما يجعل من إدانتها أو إدانة الخطوة الإسرائيلية تجاهها تعارضا مع مسار التحالفات الاقتصادية والعسكرية النشطة بين هذه الدول وتل أبيب.
ويرى المغرب في التمدد الإسرائيلي في القرن الإفريقي (عبر أرض الصومال) والمد الإماراتي الاقتصادي، تكاملا مع مشروعه “الأطلسي” في غرب أفريقيا.
الصمت المغربي يضعه في خندق واحد مع حلفائه الاستراتيجيين (الإمارات وإسرائيل)، في مواجهة محاور أخرى قد تكون أكثر ميلا لخصوم المغرب في ملفات إقليمية.
رغم أن المغرب يدافع بشدة عن وحدته الترابية، إلا أنه في حالة “أرض الصومال” لا يرى تشابها مع قضية الصحراء:
بالنسبة للرباط، الصحراء جزء لا يتجزأ من تاريخها، بينما “أرض الصومال” كانت دولة مستقلة لفترة وجيزة عام 1960 قبل الوحدة مع الجنوب. هذا التمايز القانوني يسمح للمغرب بهامش من المناورة للصمت عن اعتراف إسرائيل بصوماليلاند دون أن يظهر ذلك كدعم للانفصال بشكل عام.
بينما ترى القاهرة والرياض في الخطوة الإسرائيلية تهديدا مباشرا للأمن القومي العربي ووحدة الأراضي الصومالية، يبدو أن محور “أبراهام” يرى في الواقع الجديد فرصة لتعزيز تحالفات أمنية وتجارية في القرن الإفريقي، بعيدا عن المحددات التقليدية للسياسة الخارجية العربية تجاه وحدة الصومال.










