أثار وصول الناشط المصري–البريطاني علاء عبد الفتاح إلى المملكة المتحدة عاصفة سياسية وإعلامية غير مسبوقة، تحولت سريعاً من قصة حقوق إنسان إلى أزمة سياسية تهدد بإحراج حكومة حزب العمال وزعيمها كير ستارمر، وتفتح الباب أمام مطالبات بسحب الجنسية والترحيل.
من أيقونة حقوقية إلى جدل سياسي
علاء عبد الفتاح (44 عاماً)، أحد أبرز المعارضين في مصر، قضى معظم السنوات الـ12 الماضية في السجون المصرية بتهم تتعلق بـ«نشر أخبار كاذبة» ونشاطه السياسي. أُفرج عنه بعفو رئاسي في سبتمبر 2025، لكنه بقي خاضعاً لحظر سفر حتى 20 ديسمبر، قبل أن يصل إلى بريطانيا حاملاً جنسيتها عبر والدته ليلى سويف.
وقد أكد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أن قضية علاء عبد الفتاح كانت «أولوية قصوى» لحكومته، مشيراً إلى أنه أجرى ثلاث مكالمات مباشرة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للضغط من أجل الإفراج عنه، وكتب على منصة «إكس»:«أنا سعيد بعودة علاء عبد الفتاح إلى المملكة المتحدة ولمّ شمله مع أحبائه».
غير أن هذا الترحيب الرسمي سرعان ما انقلب إلى عبء سياسي.
تغريدات قديمة تشعل الأزمة
بعد ساعات من وصول علاء عبد الفتاح، أعيد تداول منشورات قديمة منسوبة إليه على وسائل التواصل الاجتماعي، تعود إلى ما بين 2010 وما بعده، وتتضمن: دعوات إلى «قتل الصهاينة»، عبارات تصف الشرطة البريطانية بأنه «يجب قتلهم جميعاً».
وتعليقات اعتُبرت عنصرية وتحريضية، بينها أوصاف مهينة للبريطانيين ودعوات لحرق مقر رئاسة الحكومة في «داونينغ ستريت».
وأثارت منشورات علاء عبد الفتاح اتهامات واسعة بـالتحريض على العنف ومعاداة السامية والتطرف، في وقت تشهد فيه بريطانيا ارتفاعاً ملحوظاً في حوادث الكراهية.
المحافظون يطالبون بالترحيل وسحب الجنسية
استغل حزب المحافظين قضية علاء عبد الفتاح لمهاجمة حكومة العمال. وقال روبرت جينريك، وزير العدل في حكومة الظل، إنه يجب «إجبار علاء عبد الفتاح على العيش في مصر أو في أي مكان آخر غير المملكة المتحدة»، مطالباً صراحةً بسحب جنسيته البريطانية.
وفي مقابلة مع قناة «جي بي نيوز»، هاجم جينريك كبار وزراء الحكومة قائلاً إنهم «ابتهجوا بقدوم علاء عبد الفتاح شخص يكره بريطانيا وكل ما تمثله»، واصفاً ذلك بأنه «عار مطلق».
كما أعلن الزعيم المحافظ السابق السير إيان دنكان سميث ندمه على توقيعه رسالة سابقة تطالب بالإفراج عن عبد الفتاح، قائلاً:«لو كنت أعلم بهذه الآراء البغيضة لما وقّعت… وأحث الشرطة على التحقيق».
قلق المنظمات اليهودية
من جانبها، أعربت المنظمات اليهودية البريطانية عن «قلق بالغ». وقال أدريان كوهين، نائب رئيس مجلس نواب اليهود البريطانيين، إن خطاب علاء عبد الفتاح «يشكل تهديداً لليهود البريطانيين وللعامة»، منتقداً ما وصفه بـ«الترحيب الحار» من الحكومة دون تدقيق كافٍ.
رد الحكومة وحزب العمال
في المقابل، أكدت وزارة الخارجية البريطانية أن العمل على الإفراج عن علاء عبد الفتاح ولمّ شمله مع أسرته كان «أولوية طويلة الأمد عبر حكومات متعاقبة»، لكنها شددت في الوقت نفسه على إدانة منشوراته «البغيضة».
وأفادت مصادر في داونينغ ستريت أن ستارمر ووزراءه لم يكونوا على علم بهذه التغريدات قبل هذا الأسبوع، وأن الترحيب بعودته لا يعني بأي حال تأييد آرائه. واتهم مصدر في حزب العمال المحافظين بمحاولة «إعادة كتابة التاريخ» لأهداف سياسية، مذكّراً بأن حكومات محافظة سابقة ضغطت أيضاً للإفراج عنه ومنحته الجنسية في ديسمبر 2021.
خلفية معقدة ومستقبل مفتوح
سبق أن سُحب ترشيح علاء عبد الفتاح لجائزة ساخاروف لحقوق الإنسان عام 2014 بسبب تغريدات مشابهة عن إسرائيل، وكان قد قال لاحقاً إن تعليقاته جاءت في سياق «محادثات خاصة» خلال هجوم إسرائيلي على غزة وتم اقتطاعها من سياقها.
اليوم، وبعد أن التقى بابنه البالغ 14 عاماً في برايتون، يجد عبد الفتاح نفسه في قلب معركة سياسية بريطانية، فيما يواجه كير ستارمر اختباراً صعباً بين الدفاع عن مبادئ حقوق الإنسان واحتواء تداعيات خطاب يُنظر إليه على أنه متطرف.
ويبقى السؤال المطروح في لندن:
هل تتحول قضية علاء عبد الفتاح إلى قنبلة سياسية تهدد شعبية حكومة العمال، أم تنجح في احتواء العاصفة قبل أن تمس مستقبل ستارمر السياسي؟










