في أخطر تصعيد عسكري منذ انطلاق عمليات التحالف في اليمن عام 2015، انتقلت “الحرب الخفية” بين السعودية والإمارات من كواليس السياسة إلى المواجهة الميدانية المباشرة، فجر اليوم الثلاثاء، نفذت القوات الجوية السعودية ضربة استهدفت شحنة أسلحة وصلت إلى ميناء المكلا عبر سفن إماراتية، مما يضع العلاقات بين القطبين الخليجيين أمام اختبار الانهيار الشامل.
سفن “الفجيرة”: فتيل الانفجار
بدأت فصول “الزلزال” حينما رصدت الرادارات السعودية تحركات مريبة لسفينتين شحن انطلقتا من ميناء الفجيرة الإماراتي، لترسوا في ميناء المكلا (بمحافظة حضرموت) يومي 27 و28 ديسمبر.
ما جعل الأمر يتجاوز حدود التنسيق الروتيني هو قيام طاقم السفينتين بـ تعطيل أنظمة التتبع (AIS)، في محاولة للتمويه على حمولة ضخمة من الأسلحة الثقيلة والعربات القتالية كانت في طريقها لتعزيز قبضة المجلس الانتقالي الجنوبي على شرق اليمن، وهي المنطقة التي تعتبرها الرياض “خطاً أحمر” لا يقبل القسمة.
الضربة الجوية: رسالة “حزم” جديدة
بحلول فجر الثلاثاء 30 ديسمبر، حسمت السعودية ترددها. وبتفويض رسمي من رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، نفذت المقاتلات السعودية ضربة جراحية دقيقة استهدفت الشحنة المفرغة على رصيف الميناء.
صرح المتحدث باسم التحالف، اللواء تركي المالكي، بلهجة غير مسبوقة، واصفاً العملية بأنها “تصحيحية” لمنع وصول أسلحة غير مصرح بها، مؤكداً أن السفينتين دخلتا الميناء دون الحصول على تصاريح القوات المشتركة، مما جعل حمولتهما هدفاً مشروعاً للشرعية.
وأعلن المتحدث باسم قوات التحالف، اللواء تركي المالكي، أن العملية نفذت بناء على طلب رسمي من رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الدكتور رشاد العليمي.
وكشف البيان عن تفاصيل استخباراتية دقيقة رصد سفينتين انطلقتا من ميناء الفجيرة الإماراتي ودخلتا ميناء المكلا يومي 27 و28 ديسمبر، وتعمد طاقم السفينتين تعطيل أنظمة التتبع الدولية (AIS) للتمويه على وجهتهما وحمولتهما، وإفراغ كميات ضخمة من الأسلحة الثقيلة والعربات الموجهة لدعم المجلس الانتقالي الجنوبي في حضرموت والمهرة.
لماذا فجرت هذه الواقعة صراع النفوذ؟
تمثل واقعة المكلا تحولاً من “التنافس الصامت” إلى “الصدام المكشوف” لثلاثة أسباب رئيسية:
كسر هيبة الشريك: القصف السعودي لسلاح إماراتي هو إعلان صريح بأن الرياض لم تعد تكتفي بالدبلوماسية لردع طموحات أبوظبي في المناطق الشرقية.
معركة “شرق اليمن”: حضرموت والمهرة هما ساحة الصراع الكبرى؛ حيث تسعى الإمارات لتأمين نفوذ بحري ممتد، بينما تقاتل السعودية لمنع محاصرة حدودها الجنوبية بقوى موالية لغيرها.
تجريد الأطراف المحلية من الحماية: من خلال استهداف سلاح “الانتقالي” القادم من الإمارات، تبعث الرياض رسالة للقوى المحلية بأن “المظلة الإماراتية” لن تحميهم من الطيران السعودي إذا تجاوزوا التفاهمات.
دلالات “ضربة المكلا”: رسائل بالنار
لم تكن الضربة الجوية مجرد إجراء أمني، بل كانت رسالة سياسية ببارود الطائرات، تحمل الأبعاد التالية:
تحدي “الشريك”: للمرة الأولى، تتعامل الرياض مع إمدادات عسكرية من “شريكها الأساسي” كأهداف معادية يجب تدميرها.
غطاء “الشرعية”: استخدام طلب “العليمي” كغطاء قانوني يهدف لنزع الشرعية عن التحركات الإماراتية وتصويرها كتدخل غير قانوني في شؤون دولة ذات سيادة.
حماية العمق: تعتبر السعودية سيطرة “الانتقالي” على حضرموت والمهرة (الحدودية معها) تهديدا مباشرا لأمنها القومي، ولن تسمح بتغيير ديموغرافي أو عسكري في شرق اليمن.
التبعات: اليمن أمام “حرب داخل الحرب”
يرى مراقبون أن “زلزال المكلا” وضع المسمار الأخير في نعش التنسيق العسكري بين القطبين.
فبينما يلتزم الجانب الإماراتي الصمت الرسمي حتى الآن، تشير التحركات على الأرض إلى استنفار غير مسبوق لقوات المجلس الانتقالي، وسط مخاوف من رد فعل قد يشعل جبهات الجنوب كاملة.
يرى مراقبون أن النتائج المتوقعة لهذه المواجهة العلنية تشمل:
موت سريري للمجلس الرئاسي: الانقسام الحاد بين أعضاء المجلس الموالين للرياض وأبوظبي سيشل قدرة الحكومة على العمل.
الاستنزاف المتبادل: انشغال حلفاء الرياض وأبوظبي بالصراع البيني يمنح جماعة “الحوثي” في الشمال فرصة ذهبية لتعزيز مواقعها ومراقبة تآكل خصومها.
إعادة رسم الخارطة: قد تنتهي هذه المواجهة بتقسيم فعلي لليمن إلى مناطق نفوذ سعودية في الشرق وإماراتية في الجنوب الغربي، ما لم يتم احتواء الموقف دوليا.
لقد خرج الصراع من “الغرف المغلقة” ليصبح صراعا علنيا على النفوذ، الموانئ، والسيادة. ضربة المكلا ليست نهاية المطاف، بل هي بداية لمرحلة جديدة من “الخشونة العسكرية” التي قد تعيد تعريف موازين القوى في شبه الجزيرة العربية لسنوات قادمة.










