. شهد الجنيه ارتفاعًًا غير مسبوق. خلال ثلاث ساعات، تحرك سعر الدولار من 27.6 جنيه ليتجاوز 32 جنيهًا. التعويم المنتظر يحدث أخيرًا. ترقب كثيرون اللحظة التي سيتوقف عندها في الارتفاع. هل يصل إلى 35 جنيهًا؟
لكن هذا لم يحدث. على العكس، فاجئ الجنيه الجميع، وبدأ الدولار هبوطًا سريعًا ليستقر بحلول نهاية الأربعاء الماضي عند 29.7 جنيه.
دراما 11 يناير دفعت الجميع لانتظار ما سيحدث في اليوم التالي. بدأ اليوم بصعود الدولار ليتجاوز 30 جنيهًا، ليهبط مرة أخرى إلى 29.55 جنيه.
وفي ظل ضبابية المشهد، بدأ الحديث حول ضرورة عودة الاستثمارات الأجنبية في أدوات الدين المصرية. هذه «الاستثمارات» هي ما اشتهرت بـ«الأموال الساخنة»، والتي تعهد وزير المالية، محمد معيط، قبل شهور قليلة، بعدم الاعتماد عليها «مرة أخرى على الإطلاق»، مؤكدًا أنهم تعلموا الدرس.
لكن تجدُد الحديث عنها الآن يشير إلى أنها تمثل طوق نجاة أخير من الأزمة التي لا يبدو أنها -رغم كل هذه الدراما- تقترب من نهايتها.
هذا هو ما حدث مؤخرا. الأموال الساخنة لعبت دورًا محوريًا في هذه الدراما، حسبما شرحت مصادر مصرفية واقتصادية مختلفة لـ«مدى مصر». وفي ظل احتياج مصر لعشرات المليارات من الدولارات خلال العام الجاري، لا يبدو أن انخفاض قيمة الجنيه أو انتظار عودة الأموال الساخنة سيتوقف قريبًا. وبحسب مصدر مسؤول بالبنك المركزي، سيتكرر السيناريو عدة مرات أخرى.
عندما وصل سعر الدولار إلى أقصى ارتفاع له يوم الأربعاء الماضي، اشترت صناديق استثمارية خليجية أذون خزانة (أحد أدوات بيع الديون) من البنوك المصرية بقيمة حوالي ربع مليار دولار، قبل أن تبدأ رحلة الهبوط مرة أخرى ليصل بحلول نهاية اليوم إلى 29.7 جنيه.
يشير مصدر البنك المركزي إلى أن الانخفاض الكبير الذي حدث في قيمة الجنيه أمام الدولار في بداية يوم الأربعاء كان تمهيدًا لدخول الصناديق الخليجية، الأمر الذي كان متفقًا عليها مسبقًا.
الهدف من هذا، حسبما أوضح المصدر، كان أن يقترب سعر صرف الجنيه من السعر التوازني المتوقع في السوق قبل إتمام عملية بيع الأذون. وبالفعل، اشترت الصناديق الخليجية بمجرد وصول سعر الدولار أمام الجنيه إلى أكبر قيمة له (32.2 جنيه للدولار)، حسبما تظهر البيانات المنشورة على موقع البورصة المصرية. بعد إتمام عملية الشراء، بدأت رحلة الهبوط.
يعتمد هذا على الطريقة التي يتحدد بها سعر الدولار. يحدث هذا عبر شبكة داخلية تجمع كل البنوك العاملة في مصر تدعى «إنتربنك Interbank»، ويشرف عليه البنك المركزي المصري. في هذه الشبكة، تقوم البنوك العاملة في مصر ببيع وشراء الدولار، إما بغرض الربح من المضاربة على العملات أو لتلبية احتياجاتها الدولارية. على سبيل المثال، يحتاج بنك مصر إلى مليون دولار، لكن خزينته لا تمتلك سيولة كافية. للحصول عليها، يتوجه بنك مصر إلى شبكة الإنتربنك ويطلب مليون دولار من البنوك الأخرى في السوق، ليجد أن كلًا من البنك الأهلي وبنك قطر الوطني يعرضون مليون دولار لكل منهما. البنك الأهلي يعرض كل دولار للبيع بسعر 30 جنيهًا مثلًا، بينما يعرضه بنك قطر بسعر 31 جنيهًا. طبعًا سيشتري بنك مصر من البنك الأهلي بسبب أفضلية السعر، بينما قد لا يتمكن بنك قطر الوطني من بيع دولاراته الزائدة عن حاجته بالسعر الذي عرض به في البداية، فيضطر إلى خفض السعر الذي يطلبه ليماثل سعر البنك الأهلي كي يتمكن من البيع.
العكس أيضًا صحيح. إذا كان بنك مصر يحتاج إلى مليون دولار ولا أحد يعرضها للبيع سوى بنك قطر، يمكن وقتها لبنك قطر أن يطلب السعر الذي يرغب فيه.
عملية البيع والشراء هذه تحدث مئات المرات كل يوم خلال الإنتربنك. محصلة هذه العمليات تحدد سعر الدولار في أي لحظة. ويتوقف هذا في النهاية على مقدار توافر دولارات البنوك العاملة بمصر، ومدى قدرتها على التخلي عنها عبر سوق الإنتربنك. هذا هو الرقم الذي يظهر عند البحث على جوجل عن سعر الدولار.
من جانب آخر، يعمل البنك المركزي كمنظم لسوق الإنتربنك.