أثار كشف صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، عن إرسال الولايات المتحدة، مخزونا من ذخيرة المدفعية المخزنة في إسرائيل إلى أوكرانيا، تساؤلات بشأن انعكاس ذلك على العلاقة مع موسكو، خاصة فيما يتعلق بالتنسيق في الساحة السورية، التي تشهد هجمات بين الحين والآخر على أهداف إيرانية.
وقالت الصحيفة، إن الذخيرة المنقولة من “إسرائيل” إلى أوكرانيا، تحتوي على نحو 300 ألف قذيفة مدفعية من عيار 155 مليمترا، وهو نوع تستخدمه كييف بوتيرة كبيرة.
وقال متحدث باسم جيش الاحتلال: “نقلت المعدات الأمريكية التي كانت مخزنة في إسرائيل إلى القوات المسلحة الأمريكية منذ عدة أسابيع بناء على طلبها”.
ويعود تخزين الذخائر الأمريكية في دولة الاحتلال، إلى عقود ماضية، من أجل إبقاء إمدادات في حالات الطوارئ والحرب، أو لتسليمها إلى حلفاء للولايات المتحدة، في حال الضرورة.
وكانت إسرائيل أبرمت تفاهمات مع روسيا، في أعقاب تدخلها العسكري في سوريا، من أجل شن هجمات على أهداف تتبع إيران وحزب الله اللبناني، على الأراضي السورية، وأنشأت خط اتصالات عسكريا، لتسنيق الهجمات من أجل تجنب الاحتكاك مع الروس.
وكانت صحيفة إسرائيلية، كشفت أن مقاتلات الاحتلال، نفذت أكثر من ألف غارة جوية على أهداف في سوريا خلال السنوات الخمس الماضية.
وأوضحت صحيفة “جيروزالم بوست”، أن سلاح الجو الإسرائيلي على مدى السنوات الخمس الماضية، ضرب 1200 هدف بأكثر من 5500 قنبلة خلال 408 مهمات.
وأشارت إلى أنه في عام 2021 وحده، تم تنفيذ عشرات العمليات الجوية، باستخدام 586 قنبلة ضد 174 هدفا.
عقب الهجوم المصري السوري على جبهتين، في السادس من تشرين أول/أكتوبر عام 1973، ظهر الإنهاك الإسرائيلي، نتيجة الهجومين على جبهة سيناء والجولان، ووجهت رئيسة الوزراء الإسرائيلية، غولدا مائير نداء عاجلا إلى الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، من أجل بدء إمداد جوي لإسرائيل بالأسلحة والذخائر.
وعلى الفور استجابت الولايات المتحدة، وأطلقت عملية أسمتها ” NICKEL GRASS” (عشب النيكل)، وكانت تهدف للحفاظ على وتيرة ثابتة من التزويد اللوجستي بالأسلحة والعتاد، لقوات الاحتلال، عبر جسر جوي من أسطول طائرات نقل كبيرة الحجم، تنطلق من كافة أنحاء الولايات المتحدة، باتجاه مطار بن غوريون الإسرائيلي.
وسلمت الشحنة الأولى، بتاريخ 14 تشرين أول/أكتوبر، وكانت الحمولة الأولى تزن قرابة 85 طنا من الذخائر وفقا لموقع “إيرموبيلتي ميوزيام”.
وكانت الخطة الأمريكية للجسر الجوي، تقوم على إرسال 4 شحنات على متن طائرات من طراز سي 5 وسي 12 وسي للنقل العسكري، وبلغت ذورة عملية النقل يوم 21 تشرين أول/أكتوبر عام 1973، بواقع 65 شحنة في اليوم الواحد، لكن الأيام التالية لذلك شهدت تراجعا في كثافة النقل.
وتضمنت العملية، إمداد القوات الإسرائيلية، بمدافع هاوتزر 155 ملم، ومدافع 175 ملم، ودبابات قتالية من طراز أم 60، وأخرى من طراز أم 48، وطائرات هليكوبتر من طراز سيكورسكي “سي أتش 53 دي”، وأجسام طائرات ماكدونيل دوغلاس “إيه 4 سكاي هوك”.
وحتى الآن ترفض حكومة الاحتلال الانخراط بصورة مباشرة، في دعم الأوكرانيين، وكانت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، قالت في تقرير سابق لها ترجمته “عربي21” إن أوكرانيا، لن تتلقى منظومة القبة الحديدية، لأسباب استراتيجية تتعلق بدولة الاحتلال.
ونقلت عن مسؤولين أوكرانيين قولهم، إنهم أجروا نقاشات مع الإسرائيليين، من أجل الحصول على “القبة الحديدية”، لمواجهة الطائرات المسيرة الروسية، التي يعود بعضها لتصنيع إيراني، وألحقت أضرارا كبيرة بأوكرانيا، لكن النقاشات فشلت، ورفض الإسرائيليون الفكرة.
وقال محللون للصحيفة في حينه، إن “قرار عدم تسليم إسرائيل لمنظمة القبة الحديدية لأوكرانيا، مدفوع بفكرة أن البلاد لا تستطيع تسليح كييف بشكل مباشر، لأسباب تتعلق بالتعاون الاستراتيجي مع روسيا في سوريا”.
ورغم التوتر الذي وقع بين دولة الاحتلال وروسيا، إبان حكومة يائير لابيد، العام الماضي، بعد وصفه الغزو الروسي لأوكرانيا، بأنه “انتهاك خطير للقانون الدولي”، أكدت السفارة الروسية في تل أبيب، استمرار تنسيقها مع إسرائيل بشأن الوضع في سوريا.
وكانت أنشأت تل أبيب مع موسكو، عام 2015 عقب تدخلها العسكري في سوريا، “آلية تفادي التضارب” مع روسيا؛ لمنع وقوع اشتباك دون قصد خلال الهجمات الإسرائيلية ضد الانتشار الإيراني ونقل الأسلحة في سوريا.
وقالت السفارة الروسية في تل أبيب في بيان: “مسؤولونا العسكريون يناقشون القضايا العملية المتعلقة بهذا الموضوع بشكل جوهري على أساس يومي. وقد ثبت أن هذه الآلية مفيدة، وستواصل العمل”.
وأدانت تل أبيب الغزو الروسي لأوكرانيا، ووصفته بأنه “انتهاك خطير للنظام الدولي”، ولزمت الصمت إلى حد كبير بعد ذلك إزاء تصرفات موسكو.
المحلل العسكري العقيد أحمد الحمادي، استبعد تأثير نقل الذخائر الأمريكية، على تفاهمات الروس والإسرائيليين، بشأن العمليات في سوريا.
وأوضح الحمادي لـ”عربي21″ أن المخزون الأمريكي، هو ملك للولايات المتحدة وليس لإسرائيل، وهو موجود لغايات الطوارئ، وبالتالي الولايات المتحدة قامت بسحب ذخائر لحساب مصالحها في أوكرانيا، ولا قدرة لإسرائيل عمليا للاعتراض على عملية السحب والنقل.
وأضاف: “الجميع يعلم أن القواعد والمخازن التي تنشئها الولايات المتحدة، في أي دولة تكون السيطرة فيها كاملة لها، وبشكل يصل إلى تملكها، ولذلك إسرائيل خارج حسابات الحرج السياسي في هذا الشأن”.
وشدد على أن علاقات رئيس الحكومة الإسرائيلية الجديد القديم، بنيامين نتنياهو مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قوية، ووصلت في السابق إلى نحو 10 زيارات متبادلة، لعب نتنياهو دور العراب مع الروس والأمريكان، في مسألة تفكيك النووي.
وتابع: “ورغم أن المصالح السياسية تلعب دورا كبيرا، لكن بالنظر إلى المعطيات، لا أرى أن تبدلا كبيرا سيطرأ على موقف موسكو من إسرائيل، بعكس الحكومة السابقة، التي هاجمت الغزو الأوكراني”.
ولفت الحمادي، إلى أن العلاقة بين إسرائيل وروسيا، في سوريا، تحكمها معطيات كبيرة، أهمها، الإبقاء على الوضع الحالي لبشار الأسد كما هو عليه، لأن أي عملية تغيير، لها تبعات استراتيجية كبيرة، على أمن حدود الاحتلال، أو في حال نشأ نظام آخر قد يسبب الإزعاج لتل أبيب.
لكن في المقابل قال الخبير العسكري، إن هناك قرابة مليون إسرائيلي من يهود أوكرانيا، ودعم هؤلاء طبيعي لأوكرانيا، وهناك العديد من الجمعيات التابعة لهم تقدم الدعم اللوجستي لكييف، بعيدا عن الموقف الرسمي الإسرائيلي، وبالتالي لم يؤثر ذلك على مسألة العمليات العسكرية على الساحة السورية.
( المصدر : عربي 21 )