* بدر الساري *
مصر .. و السير نحو الهاوية !
دقيقتان على ” تيك توك ” أو يوتيوب أو فيس بوك ، كفيلتان بتجسيد حجم المأساة التي تعيشها مصر أمام كل ذي عينين أو ضمير .
و دقيقتان مثلهما في البحث على جوجل عن الأخبار القادمة من مصر ، تزيد الأمر قتامة و النفس حزنا على ما يحدث في الكنانة .
و إذا كان لديك أعصاب ، فلكي تكتمل الصورة أمامك ، خذ جولة عابرة على برامج التوك شو الرئيسية في القاهرة ، لتعرف أن نهاية هذا الوضع شديد البؤس مسألة وقت !
البسطاء يصرخون على السوشيال ميديا و يجأرون بالشكوى ، من الغلاء و عجز الرواتب عن الوفاء بنصف التزاماتهم ، و يستغيثون من بطش الأمن ، و ينتقدون كل شيء في المحروسة .
في المقابل ، إعلام السلطة مازال يقوم بدور ” خالتي فرنسا ” في الفيلم الشهير الذي كتبه الكاتب المصري الشهير بلال فضل !
و بالمناسبة ، بلال فضل نفسه اضطر للهروب من مصر !
إعلام مصر امرأة ” شرشوحة ” لا تتوقف عن السب و ” الردح ” لكل من تسول له نفسه انتقاد الأوضاع او الشكاية منها !!
إعلام مصر الصادر من الداخل ، الذي يحركه تليفون ” السامسونج ” لا يكل ولا يمل من ترديد سردية أن كل ما يحدث في البلاد هو نتيجة طبيعية لبرامج الإصلاح المزعومة ، التي تجابه مؤامرات كونية من طوب الأرض كما يقول التعبير المصري الدارج !!
و الحقيقة أن المرء مهما كانت قوة أعصابه و طول صبره ، لا يمكنه أن يفهم ماهية هذا الإصلاح الذي يستمر 10 سنوات و لا يقود إلا للخراب و التراجع و زيادة الديون و التضخم و الغلاء و حرمان المواطن من كل شيء حرفيا و الفاشل في السياسة الخارجية !!
لكن سرديات الإعلام المصري المتهافتة مفهومة في سياق أنها جزء من حالة انفصام عامة ، تعيشها السلطة في مصر بكل مستوياتها و أجهزتها و أجنحتها !
حالة انفصام عن الواقع و المواطن و ظروف البلد و عن حصاد ذلك الإصلاح التخريبي !!
السلطة في مصر ترى أنها ” ما قصرت ” على رأس اخواننا في الخليج ، و أنها ملهمة من لدن العليم الحكيم ( ففهمناها سليمان ) !
و من ثم ، فإن كل منتقد أو شاك من الأوضاع إما أنه غير فاهم للسياسة و متطلباتها و الإصلاح و فكره ، و إدارة الدولة و دهاليزها !
أو أنه متآمر خائن !!
هل كان الفريق المصري مهاب مميش ، المدير السابق لهيئة قناة السويس ، جاهلا أو متآمرا عندما انتقد خطة النظام لإنشاء صندوق لتنمية القناة ؟
و هل كان مميش خائنا عندما حذر من أن يكون هذا الصندوق مقدمة للتفريط في القناة و بيعها و تمكين الأجانب منها ؟!
مميش أحد القيادات العسكرية التي أطاحت بالرئيس المصري المنتخب لأول مرة في تاريخ مصر محمد مرسي رحمه الله !
و كان أحد المروجين الكبار لتفريعة قناة السويس التي لم تسفر عن أي تطوير للقناة أو زيادة في دخلها ، على عكس ما روج هو – مميش – و روج النظام وقتها !!
المعنى ، أن السلطة في مصر تسير في الطريق الخطأ حتى في رأي بعض رموزها !!
و المعنى – أيضا – أن الجميع صار يرى أن مصر تمضي إلى الهاوية ما عدا النظام !!
يخبرنا التاريخ و السياسة أن حالة الانفصام هذه لم تقد أمة من الأمم إلا إلا الدمار !
و مصر بالذات ، هناك ألف ألف يد سوداء تنتظر سقوطها لتنهشها و تنتقم منها على مكانتها القديمة ، و لكي تنفس عن عقدها التاريخية تجاه مصر و المصريين !!!
و هذا واضح في كم التصريحات المهول ، الصادر من دوائر خليجية مختلفة ، باتت تمن على مصر مساعداتها السابقة لها !
مع أن تلك الأصوات الشامتة قبل أن تكون ناقدة ، لو أنصفت ، لخرست ، لأن مساعدات الخليج كلها وجهت لتدمير تجربة مصر الديمقراطية و لتركيع الدولة المصرية و شراء أصولها بثمن بخس ، و ليس لدعم البلد و إنقاذها .
هناك حالة عبث تجري في كل أوصال الدولة المصرية .
عبث ممزوج بالغرور الذي لا يستند لشيء !
و هو غرور يعمي السلطة المصرية عن الاستماع لأصوات المخلصين حتى ممن دعموها سابقا ، و ممن ليسو ممولين و لا خونة !!
الخلاصة أن كل ما يحدث في مصر هو علامات لا تخطئها العين على نهاية التجربة .
و الحق أن نهاية هذه التجربة البائسة ستكون نعمة على مصر و المصريين ، شرط ألا تسقط البلد في يد أعدائها ، و بالمناسبة ، حتى لو سقطت مصر في يدي اعدائها ، لا قدر الله ، سيكون هذا حصادا طبيعيا جدا لسياسات سلطة لا ترى سوى نفسها .
هل يمكن ان يتدخل أحد في مصر لوقف هذا العبث ؟
أتمنى ، لكني أشك ، لأن النظام داس الجميع في طريقه لهذا التدمير الذي يراه البعض مقصودا .
( بدر الساري : كاتب عراقي يقيم في المانيا ، من فريق عمل ” المنشر ” )