أسامة الغزالي حرب..و تطبيع ” ساعة يروح و ساعة ييجي ” !
المنشر
غالبية العرب و المصريين يذكرون هذا التعبير للدكتور شديد الذي كانت عنده ” شعرة ” في الفيلم الشهير !
مثل شعرة الدكتور شديد ، يبدو أن الدكتور أسامة الغزالي حرب ، الكاتب و المثقف المصري المعروف ، لديه تطبيع ساعة يروح وساعة ييجي !
فالدكتور أسامة كتب مقالا في عموده اليومي بجريدة ” الأهرام ” المصرية العريقة ، يوم الأحد 19 نوفمبر الجاري ، بالتزامن مع ذكرى زيارة السادات للقدس ، مقالا اعتذر فيه عن حسن ظنه بكيان الاحتلال الصهيوني و تطبيعه معه !
و هو طبعا لم يستخدم تعبير ” الاحتلال ” و لا ” الصهيوني ” !
و الرجل الذي كان منذ سبعينيات القرن الماضي من رموز التطبيع مع كيان الاحتلال ، حتى و هو يعتذر عن تطبيعه ، كان شديد ” الأدب ” فقال : ” ” إنني اليوم- وقد تابعت بغضب وسخط وألم، ما حدث ولايزال يحدث من جرائم وفظائع في غزة يندى لها جبين الإنسانية… أقول: إني أعتذر عن حسن ظني بالإسرائيليين، الذين كشفوا عن روح عنصرية إجرامية بغيضة. أعتذر لشهداء غزة، ولكل طفل وامرأة ورجل فلسطيني. إني أعتذر ” !
اعتذار الدكتور أسامة جاء بعد قرابة 45 يوما من الدك الصهيوني لقطاع غزة الذي أسفر عن قرابة 12 ألف شهيد أكثر من نصفهم من الأطفال !
لكن أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي !
المهم ألا تذهب إلى هناك من جديد !
و ” هناك ” هذه مقصود بها العودة لمربع التطبيع ، بعدما تنتهي الحرب الجارية في غزة ، حين تنتهي ، أو إذا انتهت !
لماذا و أين يكمن الشك في اعتذار الدكتور أسامة الغزالي حرب عن تطبيعه مع الكيان المحتل ؟
إجابة هذا السؤال ترسم ملامح شخص و حقبة زمنية ، كلاهما شارك في الوصول لهذه النقطة ، التي تغول فيها الكيان الصهيوني و تلبسته غطرسة القوة و أيقن ألا قوة ستوقفه عند حده مهما سفك من دم أو انتهك من حرمات !
فالدكتور أسامة و هو واحد من الدفعات المبكرة التي تخرجت من كلية الاقتصاد و العلوم السياسية .
و في العام 1977 ، وبينما كان السلام مع عدو الأمس هو الخيار الأساسي الذي يتشكل بدفع جارف من سلطة الرئيس المصري الراحل أنور السادات ، التحق الدكتور أسامة بمركز الأهرام للدراسات السياسية و الاستراتيجية .
ذلك المركز الذي تم تأسيسه في العام 1968 ، تحت اسم “مركز الدراسات الفلسطينية والإسرائيلية” وقت أن كانت مصر خارجة لتوها من هزيمة مهينة على يد الصهاينة و كل طاقاتها مسخرة للاستعداد للثأر .
في صدر شبابه عندما تم تعيينه صحفيا بجريدة الأهرام ، كان الدكتور أسامة قوميا ناصريا مثل أغلب شباب جيله .
لكن المسافة الممتدة من تكونه فكريا ، و حتى عمله بمركز الأهرام ، كانت كفيلة بتحوله في وقت تحول فيه كل شيء !
من الاقتصاد الاشتراكي إلى انفتاح ” السداح مداح ” !
من القومية العربية في نسختها الناصرية إلى اللاشيء على يد السادات !
من العداء للكيان الذي حاربنا وقتل جنودنا الأسرى ، إلى صداقته و التطبيع معه و الاستعداد لزيارته و لاحقا عقد سلام معه !
و هكذا ، انضم الدكتور أسامة إلى جوقة من المطبعين ضمهم مركز الأهرام ضمت معه أمثال الدكتور عبدالمنعم سعيد و الدكتور طه عبدالعليم !
و تحول الصحفي أسامة الغزالي حرب الرافض لإسرائيل ، إلى أحد أصدقائها و أحد أشد المدافعين عن التطبيع معها !
لدرجة انه انتقد إصرار نقابة الصحفيين المصرية على التمسك بموقفها الرافض للتطبيع و معاقبة من يطبع من أعضائها ، فكتب في نفس عموده في الأهرام في 22 مارس الماضي ” هذا القرار خاطئ مهنيًا ووطنيًا وقانونيًا.. والذهاب لإسرائيل حقّ شرعي لأي مواطن ” !
و القرار المقصود هو تمسك النقابة برفض تطبيع أعضائها مع الاحتلال !
و ربما اتساقا مع تماهي الدكتور أسامة مع توجهات السلطة المصرية جيدها وسيئها ، اقترب من جمال مبارك في بدايات تحضيره لوراثة والده !
و كان عضوا بلجنة سياساته بالحزب الوطني .
و كان أحد أساتذته قبل أن يحدث الانفصال و يستقيل من الحزب.
و لأن خيارات الدكتور أسامة كلها كانت في دوائر متقاربة ، فقد اقترب بعد ذلك من رجل الاعمال نجيب ساويرس ، صديق الاحتلال أيضا !
و أصبح قياديا في حزب ” المصريين الأحرار ” الذي أسسه وموله ساويرس .
أي أن الدكتور أسامة دائما قريب من الدوائر ذات الصلة بالاحتلال .
و هذا ما يجعل موقفه المعتذر عن التطبيع مع الكيان الصهيوني الآن ، ربما قابلا للتراجع حين تتبدل الأحوال و تعود الشعرة !
خاصة وأن اعتذاره لا يمكن فصله عن مزاج عام يخيم على قرارات الدولة المصرية حاليا ، و الشعب المصري ، لسببين ، أولهما هو أن جرائم الاحتلال في غزة فعلا فاقت كل تصور و توقع !
و الثاني هو أن ما يحدث في غزة خطر مباشر على الدولة المصرية خصوصا مع الحديث المتكرر عن تهجير أهل غزة لسيناء .
و بناء على ذلك الخطر ، سمح النظام المصري المعادي لحق التظاهر من الأساس ، بمظاهرات منددة بجرائم الاحتلال !
صحيح ان النظام أرادها مظاهرات لتفويض جديد و خاب هذا المسعى ، لكنه كسر عادته و سمح بالتظاهر على أية حال !
عموما ، يبقى اعتذار الدكتور أسامة الغزالي حرب لفتة تستحق التوقف عندها ، كملمح من ملامح رحلة مصر مع التطبيع المضر و الذي أفقدها كل شيء !