كعادة الفصائل الإسلامية، ما إن تصل إلى الحكم حتى تظهر الخلافات على السطح، وهو ما حدث سابقا بعد خروج المحتل السوفييتي من أفغانستان، تلى ذلك الاقتتال بين أمراء الحرب لسنوات حتى ظهرت حركة طالبان للوجود، لتفتح كابول وتحكم أفغانستان دون أن تسيطر على مناطق اتحاد الشمال.
قبل يومين، تحدث أمير المؤمنين هيبة الله أخوندزادة في خطبة العيد عن وجود خلافات وانقسامات بين صفوف الإمارة الإسلامية، داعيا الجميع إلى وضع الخلافات جانبا، لأن العدو سيقضي عليهم واحدا تلو الآخر.
يعيدنا هذا إلى الحديث عن وجود انقسام داخل الحركة، وهو ما تحدث عنه الكثيرون، ولتوضيح هذا ينبغي على المتلقي أن يضع في حسبانه أن طالبان ليست فردا واحدا أو تنظيما واحدا، فالانقسام الحالي يقود إلى أجنحة مختلفة، وكل جناح يرغب في أن يستأثر بالأمر والحكم.
أولا: جناح أمير المؤمنين هبة الله أخوندزاده
هذا الجناح له الكلمة العليا في الإمارة، ويعود بفكره وطريقة إدارته وتعامله إلى طالبان التي حكمت بين 1996-2001، ولا يرضى أن يقارعه أو يخالفه أحد.
وظهر ذلك جليا في تعامل هذا الجناح مع الملا برادر، وهو الذي قاد الاتفاق التاريخي مع الولايات المتحدة وخروجها من أفغانستان عبر اتفاقية الدوحة، إذ تم استبعاد الملا برادر، ومنحه منصبا شرفيا في حكومة تصريف الأعمال الأفغانية، منصب لا يمنحه أي صلاحية البتة.
ثانيا: جناح حقاني
الجناح الأكثر قوة، والتابع لوزير الداخلية سراج الدين حقاني، والذي يطلق عليه أنصاره لقب “الخليفة”. رصدت الولايات المتحدة الأمريكية مبلغًا وقدره 10 ملايين دولار مقابل رأسه، وكان قبل أيام على قائمة منع السفر التي تصدرها الولايات المتحدة قبل أن تقوم بحذف اسمه “لتمكينه من أداء فريضة الحج”.
وجاءت إزالة اسمه بعد لقائه برئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد، ليتجه بعدها إلى المملكة العربية السعودية لأداء فريضة الحج.
تتمتع شبكة حقاني بقوة كبيرة، ولديها أنصار كثر داخل الإمارة بسبب تضحياتها الجمة ضد الاحتلال الأمريكي، ولا يُنظر إلى سراج الدين بلقب الخليفة عبثا، إذ هكذا ينظر أنصاره إليه، وأنه هو الأحق بمنصب الإمرة لا هيبة الله، خاصة وأن الأخير لا يحظى بقبول كبير لدى البقية.
ثالثا: جناح الملا يعقوب مجاهد
جناح الملا يعقوب المجاهد ذو الـ34 ربيعا، وابن أمير المؤمنين السابق الملا عمر، وكان يعتقد أنه سيتولى الإمرة خلف والده، لكن أطيح بأحلامه مرتين، إذ في الأولى عُين الملا منصور أختر أميرا للمؤمنين -بعد إخفاء الحركة وفاة الملا عمر لفترة طويلة- تلاها تعيين الملا هبة الله أخوندزادة أميرا للمؤمنين.
ويرى كثير من المحللين والمراقبين أن منحه منصب وزارة الدفاع -نظرا إلى سنه مقارنة بأقرانه- ليس إلا نوعا من المراضاة له، خاصة وأنه يحظى بدعم الأفراد على الأرض -ليس حبا فيه بقدر ما هو احترام وتقدير وتبجيل لمكانة أبيه الملا عمر-. يعادي الملا يعقوب باكستان علانية -على عكس والده-، وصرح مرات عدة بأنه لا يمانع أن تدرب الهند جنود الإمارة الإسلامية، بل واستقبل في عهده جنودا تلقوا تدريباتهم في الهند.
كل ما سبق يؤكد أن حديث أمير المؤمنين الملا هيبة الله أخوندزادة لم يأتِ من فراغ، وأن الوضع في الإمارة لم يعد كما في السابق، وأن الخلافات بدأت تأخذ منحى جديدا لم يسبق للإمارة المرور به.
تاريخ أفغانستان يشهد على هذا -سواء حين كانت ملكية أو في وضعها الحالي- إذ أن أفغانستان لم تكن مستقرة يوما من الأيام، فإما محتل خارجي تقاتله القوى الأفغانية، أو الانقلابات المتتالية، أو الانقسامات والحروب الداخلية بغية الاستئثار بالسلطة.