تشير الإحصاءات إلى وجود مئات الآلاف من العرب الذين يقيمون حاليا في الصين ما بين الدراسة والعمل، وذلك بعد التطور السريع لاقتصاد الصين ، حيث يأملون في تحقيق أحلامهم بحماستهم وحكمتهم في هذه الأرض المنفتحة والمفعمة بالحيوية لإبقاء أثارهم العصرية فيها.
ووفقا لتقرير “CGTN” العربية ، أن من ضمن هذه النماذج وفي العاصمة بكين ، يعيش الشاب الأردني أشرف محمد عبد الفتاح، الذي جاء الي الصين عام 2008، وبدأ مشواره بالاعمال المرتبطة بالطبخ ، حيث سبق له أن عمل كطباخ رئيسي في إحدى المطاعم، وقام أيضا بإعداد المأكولات لسفارات الدول العربية لدى الصين ، وفي عام 2012، قرر أشرف فتح مشروع خاص له في بكين، فأقام هذا المطعم باسم “مطعم السفير”.
كان أشرف طباخا ماهرا ومشهورا في الأردن ، وفي عام 2008 عندما استضافت بكين الألعاب الأولمبية الصيفية، لاحظ أشرف قوة الصين المتزايدة وتواجد الفرص فيها ، لذلك توجه إليها ذلك العام، وكانت بكين محطته الأولى بعد الوصول إلى الصين، ولم يغادرها حتى الآن.
يقول أشرف أنه يذهب إلى سوق الخضروات في الصباح الباكر كل يوم، من أجل شراء المواد الطازجة ، واصبح بمرور الوقت “زبون معروف” لدى الجميع ، فعندما يرأه الباعة يقدمون له أفضل منتجاتهم ، حتى أنه أجاد المساومة كأنه مواطن صيني ، بعد أن أصبح لديه معرفة جيدة بأسواق الخضروات المحلية والمأكولات البحرية الطازجة والفاكهة عالية الجودة وبسعر أرخص .
وحول التغيرات التي طرأت على الأسواق في بكين في هذه السنوات، وكما ذكرت “CGTN” العربية ، أشار أشرف إلى أنكل شئ متوفر في سوق الخضار ، ومن الممكن أن يشتري أي شئ بما في ذلك السلع من جميع أنحاء العالم وخاصة السلع من الدول العربية التي سافرت عبر المحيط إلى الصين ، في الوقت الذي كان من الصعب شراء مثل هذه البضائع المستوردة منذ خمسة عشر عامًا، فيمكننا الحصول على الحمص هنا، وكذلك الطحينة ، ويمكنك شراء البضائع من الجزيرة العربية وإيطاليا ومن جميع أنحاء العالم.”
ووفقا ل “CGTN” العربية ، يقع مطعم السفير لأشرف في منطقة سانيوانلي المزدهرة ببكين، وأدار هذا المطعم لمدة 10 أعوام منذ إقامته، وصار مشهورا جدا لدى العرب المقيمين في الصين ، وبالرغم من أن مساحة المطعم ليست كبيرة، إلا أن كل الأقسام فيه من الديكور إلى الأطعمة، تعكس التصميم الدقيق من قبل أشرف،إذ أن الشبابيك ذات خصائص مغربية، ورُسمت على الزخارف المعلقة على الجدران الآيات القرآنية ومسجد القبة الذهبية المقدسة في فلسطين، وحتى الأرضية في المطعم مرسوم عليها الخطوط العربية التقليدية.
قائمة الأطباق في المطعم تم إعدادها بدقة من قبل أشرف أيضا، حيث تحتوي على المأكولات العربية ذات الخصائص الفلسطينية والأردنية والإماراتية والسعودية والجزائرية وغيرها من الأطباق العربية المتميزة، ويوفر أشرف هذه الأطباق المتنوعة بهدف أن يتذوق الأصدقاء الصينيون الأطعمة العربية الأصيلة، كما يمكن للعرب المقيمين في الصين استرجاع ذكرياتهم لأوطانهم من خلال هذه الأطباق.
من بين هذه المأكولات المفضلة التي حظيت بإقبال كبير من الزبائن نجد المشاوي والحمص والرز مع لحم الضأن وغيره، وقال أشرف إن اللحم المستخدم في المطعم كان يأتي من منغوليا الداخلية ، وهو طازج ولذيذ للغاية، مؤكدا أن خمسة وتسعون في المائة من اللحوم والخضروات وغيرها من المواد الخام المستخدمة في المطعم كانت صينية أصلية.
واوضح أشرف أنه وفي الساعة الـ12 ظهرا كل يوم، يقوم دائما بجولة تفقدية بين موائد الزبائن القادمين إلى المطعم تدريجيا ، وسرعان ما يكون هو وكل طاقم المطعم منهمكين في إعداد كل الأشياء التي يريدها الزبائن أثناء تناول وجبة الغداء.
وصار العديد من الزبائن في هذا المطعم أصدقاء لأشرف وتربطهم علاقة خاصة ليست بمجرد توفير المأكولات، حيث يأتي بعضهم إليه كل أسبوع، وقابلنا بعض الزبائن ومنهم طالب صيني، وقال لنا: “لقد درست في مصر، والأطباق هنا فيها نكهة مصر ، آتي دائما للأكل هنا، وقد أصبحت صديقا لصاحب المطعم، فهو شخص جيد ويتمتع بمهارة فائقة في الطبخ بالإضافة إلى أنه وسيم.”
كما أكدت عميلة مصرية أنها جاءت إلى المطعم رغم بعد المسافة قائلة: ” قدت السيارة لمدة 12 ساعة من مدينة لويانغ من أجل تناول هذه الوجبة العربية، والطعام هنا أصيل حقًا ولذيذ. بصراحة ، أنا أفتقد الطعام العربي حقًا.”
الزبائن الصينيون الذين يأتون إلى المطعم معجَبون جميعا بالثقافة العربية وبحياة العرب ، وإذا كان لدى أشرف وقت فيتحدث معهم بكل شغف، ويعرّفهم بأطعمة وثقافة بلاده والعديد من المعلومات الأخرى عن الدول العربية.
ووفقا ل “CGTN” العربية ، يحب أشرف التجول والتنقل في أزقة بكين، في وقت راحته، وقال إن الأزقة سجلت التغيرات التاريخية وآثار العصور للمدينة، وتحتوي على دلالات ثقافية غنية ، حتى قطعة عشوائية من الطوب أو القرميد في الزقاق يمكن أن يعود تاريخها إلى ما قبل مئات السنين ، فمن خلال الأزقة المتباينة الحجم، يمكن له التعرف على مواطني بكين، بما في ذلك أساليب حياتهم وهوياتهم والعلاقات فيما بينهم وما إلى ذلك.
وفي نهاية حديثه أكد أشرف أن مطعمه الواقع في عاصمة الصين يعتبر مسرح للتبادلات، ويريد استخدام الطعام لبناء جسر للتبادلات الثقافية بين الصين والدول العربية، وإذا عاد إلى الأردن في المستقبل، سيفتح مطعمًا آخر وهو مطعم أطباق صينية، من أجل جلب الثقافة الصينية والطعام الصيني إلى وطنه، وينشر صوراً لحياته في بكين كصاحب مطعم عربي، ويخبر المواطنون العرب بقصص عن بكين والصين، ويكون سفيراً على طريق الحرير.










