في لحظة مفصلية من التاريخ الإقليمي، انفجرت شرارة جديدة في صراع طال أمده بين الهند وباكستان، ولكن هذه المرة بحطب تركي وطائرات مسيّرة تحمل توقيع “بيرقدار”.
إذ بات واضحاً أن أنقرة اختارت لعب دور “صانع التوازن” في جنوب آسيا، ليس فقط عبر تصريحات دبلوماسية، بل من خلال دعم عسكري وتكنولوجي مباشر لباكستان، ما شكّل صدمة استراتيجية للهند وحلفائها.
ومع اتساع رقعة التحالفات العسكرية واصطفاف قوى إقليمية كبرى على ضفّتي النزاع، يلوح في الأفق مشهد جديد تماماً لصراع تقليدي قد يتحوّل إلى مواجهة إقليمية مفتوحة متعددة الأبعاد.
يشهد الصراع بين باكستان والهند تطوراً جديداً أكثر تعقيداً مع دخول تركيا بشكل غير مباشر على خط المواجهة من خلال دعمها العسكري والتكنولوجي لباكستان، الأمر الذي أثار حفيظة الهند ودفعها للتصعيد العسكري والإعلامي ضد كلا الطرفين. هذا التحليل يستعرض أبعاد هذا التحول في العلاقات الإقليمية وتداعياته المحتملة.
خلفية التصعيد العسكري الحالي
تشهد العلاقات الهندية-الباكستانية توتراً غير مسبوق في مايو 2025، حيث بلغت ذروتها مع إطلاق باكستان عملية “البنيان المرصوص” العسكرية فجر يوم 10 مايو 2025.
وتأتي هذه العملية رداً على هجمات هندية استهدفت الأراضي الباكستانية منذ يوم 7 مايو، بعد هجوم وقع في 22 أبريل في الشطر الهندي من كشمير وأسفر عن مقتل عدد من السياح.
استهدفت العملية منشآت عسكرية هندية متعددة، بما في ذلك مواقع لتخزين الصواريخ وقواعد جوية في باثانكوت وأودهامبور. وأعلن الجيش الباكستاني أنه استهدف 36 هدفاً مختلفاً باستخدام صواريخ ذكية من طرازي “فتح واحد” و”فتح اثنين”، وسط وحدة رسمية وشعبية باكستانية غير مسبوقة.
التعاون العسكري التركي-الباكستاني: شراكة استراتيجية متنامية
شهدت العلاقات العسكرية بين تركيا وباكستان تطوراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، وصلت ذروتها في فبراير 2025 مع توقيع 24 اتفاقية تعاون، منها ثلاث اتفاقيات عسكرية رئيسية:
- تبادل الأفراد العسكريين
- تعاون في مجال الحرب الإلكترونية
- بروتوكولات في الصحة العسكرية
كما يجري البلدان مشاريع تصنيع مشترك لأسلحة متطورة، مثل:
- مقاتلات “KAAN” من الجيل الخامس بإصدار باكستاني بمحرك صيني
- طائرات بيرقدار TB2 المسيّرة التي رُصدت فعلياً في قاعدة مريد الجوية
- منظومة كورال للتشويش الإلكتروني التي يُعتقد أنها عطّلت المقاتلات الهندية
تأثير الدعم التركي على التوازن العسكري
تشير التقارير إلى أن الدعم التركي حسّن من أداء الجيش الباكستاني، خصوصاً في الحرب الإلكترونية، حيث تسبب التشويش التركي في “عمى راداري وملاحي” للطائرات الهندية. وقد أثار هذا التفوق قلقاً في نيودلهي، التي زعمت بعض قنواتها مشاركة طائرات تركية في المعارك – دون تأكيد رسمي.
المحور المضاد: التحالف الهندي-الإسرائيلي-الإيراني
- إسرائيل دعمت علناً “حق الهند في الدفاع عن النفس”، وهي ثاني أكبر مورّد للسلاح للهند بعد روسيا، مع شراكات استخبارية وعسكرية.
- إيران تُعد شريكاً استراتيجياً للهند بموجب اتفاق عسكري سري منذ 2003 يسمح باستخدام متبادل للقواعد وتعاون في تطوير أنظمة عسكرية بحرية وجوية.
الأبعاد الاستراتيجية للتحالف التركي-الباكستاني
- الاكتفاء الذاتي الدفاعي: تقليص اعتماد باكستان على الغرب أو الصين
- التكامل التكنولوجي: تركيا تتفوق في الحرب الإلكترونية، وباكستان في النووي
- الرسائل الجيوسياسية: تحذير واضح من محور إسلامي قادر على الردع والتأثير
- إعادة تموضع تركيا: توسيع نفوذها في آسيا كرد فعل على رفض الغرب لها
استجابة الهند والمجتمع الدولي
فيما أغلقت الهند 32 مطاراً، وأغلقت باكستان مجالها الجوي، دعت الولايات المتحدة إلى محادثات تهدئة، محذّرة من “سوء التقدير” بين قوتين نوويتين.
إن التعاون العسكري بين تركيا وباكستان لم يعد مجرد صفحة في دفاتر العلاقات الثنائية، بل تحوّل إلى عامل حاسم في صياغة موازين القوى الجديدة في جنوب آسيا، وسط سباق إقليمي محموم على النفوذ والتكنولوجيا والردع.
وبقدر ما يعزز هذا التحالف القدرات الدفاعية الباكستانية، بقدر ما يرفع منسوب التوتر في بيئة نووية هشّة، يقف العالم أمامها على أطراف أصابعه.
وبينما تتقاطع أجندات أنقرة وإسلام آباد في مواجهة الهيمنة الهندية، فإن نيودلهي لن تقف مكتوفة الأيدي، ما ينذر بأن حقبة جديدة من التحالفات والمواجهات قد بدأت، ونتائجها قد لا تقتصر على حدود كشمير أو سماء البنجاب، بل قد تمتد لتغيّر حسابات الأمن الإقليمي والدولي لعقود قادمة.