تشهد مصر في السنوات الأخيرة تصاعدًا حادًا في الأعباء الاقتصادية على المواطن، في ظل اعتماد حكومي متزايد على الضرائب كمصدر أساسي للإيرادات العامة. فقد أعلنت الحكومة عن زيادة حصيلة الضرائب على السلع والخدمات بنسبة 34% لتتجاوز تريليون جنيه، مع ارتفاع إيرادات ضريبة القيمة المضافة بنسبة 50%، لتصبح الضرائب مسؤولة عن نحو 77% من إجمالي الإيرادات. هذه القفزات الضريبية تأتي في وقت يعاني فيه المواطن من تآكل القدرة الشرائية وارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية، وسط استمرار معدلات التضخم وتراجع مصادر الدخل الأخرى. وعلى الرغم من إعلان الحكومة تحقيق فائض أولي بنسبة 2.5% من الناتج المحلي، إلا أن هذه المكاسب المالية لم تنعكس بشكل ملموس على تحسين مستوى معيشة المواطن أو تخفيف الضغوط اليومية التي يواجهها.
تصاعد الأعباء الضريبية وتأثيرها على المواطن
تشير بيانات مشروع الموازنة العامة للعام المالي المقبل إلى أن الحكومة تستهدف زيادة حصيلة الضرائب على السلع والخدمات بشكل غير مسبوق، ما يضع عبئًا كبيرًا على كاهل المواطنين في ظل تراجع مصادر الدخل الأخرى. ويؤكد خبراء الاقتصاد أن هذه الزيادات الضريبية تؤدي إلى ارتفاع تكاليف المعيشة وتراجع القوة الشرائية للطبقات المتوسطة والفقيرة، خاصة مع استمرار ارتفاع الأسعار.
وعود حكومية بتخفيف الأعباء: دعم اجتماعي محدود
تؤكد الحكومة المصرية في بياناتها الرسمية أن تخفيف الأعباء عن المواطنين، خاصة الفئات الأكثر احتياجًا، يتصدر أولوياتها، مشددة على زيادة مخصصات الدعم الاجتماعي إلى أكثر من 730 مليار جنيه في الموازنة الجديدة، ورفع الحد الأدنى للأجور إلى 7 آلاف جنيه، وزيادة معاشات الضمان الاجتماعي وبرامج الحماية مثل تكافل وكرامة. كما تم الإعلان عن حزم حماية اجتماعية جديدة تشمل دعم السلع التموينية والكهرباء والمواد البترولية، بالإضافة إلى منح مالية استثنائية للأسر الأكثر احتياجًا. ومع ذلك، يرى خبراء الاقتصاد أن هذه الإجراءات تظل محدودة التأثير مقارنة بحجم الأعباء الفعلية التي يتحملها المواطن، خاصة مع استمرار ارتفاع الأسعار وتراجع قيمة الجنيه أمام الدولار، وارتفاع تكلفة المعيشة بشكل عام.
الدين العام وبيع الأصول: حلول مؤقتة لأزمة مزمنة
لا تقتصر الضغوط المالية على الضرائب فقط، بل تلتهم خدمة الدين العام أكثر من نصف الإنفاق الحكومي، ما يدفع الحكومة إلى الاستمرار في الاقتراض وبيع أصول الدولة لتغطية الفجوة التمويلية الضخمة. هذه السياسات لم تثبت فعاليتها في معالجة العجز المالي، بل أدت إلى تصاعد الدين العام إلى مستويات غير مسبوقة، ما يزيد من الأعباء على الأجيال القادمة.
إصلاحات هيكلية أم تحميل المواطن المزيد من الأعباء؟
رغم ترويج الحكومة لهذه الإجراءات باعتبارها إصلاحات هيكلية تهدف لتعزيز العدالة الضريبية وتوسيع القاعدة الضريبية، إلا أن الواقع يشير إلى أن آثارها غير المباشرة ظهرت في ارتفاع أسعار السلع والخدمات وتراجع القوة الشرائية. وفي الوقت نفسه، تستمر الحكومة في تنفيذ مبادرات مثل حياة كريمة لتوفير السلع الأساسية بأسعار مدعومة، وفتح منافذ بيع متنقلة في المحافظات، بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني، في محاولة لتخفيف حدة الأزمة على الفئات الأكثر تضررًا.
مستقبل غامض وانتقادات متصاعدة
ومع توقعات بتحسن نسبي في الأداء الاقتصادي خلال 2025، وانخفاض تدريجي لمعدلات التضخم، إلا أن الطريق ما زال طويلاً أمام المواطن المصري لاستعادة قدرته الشرائية وتحقيق استقرار معيشي حقيقي. فبينما تركز الحكومة على تحقيق التوازن المالي وزيادة الإيرادات، يبقى التحدي الأكبر في ضمان توزيع عادل للأعباء، وتقديم حلول مستدامة لتحسين مستوى معيشة المواطن، بعيدًا عن الاعتماد المفرط على الضرائب كحل سريع لسد عجز الموازنة.











