اتفاق الرسوم الجمركية الأخير بين الولايات المتحدة وبريطانيا، الذي يخص واردات الصلب، أثار جدلاً واسعاً حول مستقبل ملكية الصين للمصانع البريطانية، خصوصاً شركة “بريتش ستيل” المملوكة لمجموعة “جينجيي” الصينية. يسلط هذا التقرير الضوء على الأبعاد الاقتصادية والسياسية للاتفاق، وينتقد محدودية فعاليته في حماية الصناعة البريطانية، ويكشف عن أهدافه غير المعلنة في تقييد النفوذ الصيني داخل أوروبا.
جوهر الاتفاق: شروط أمريكية مشددة وتهديد للملكية الصينية
فرضت الولايات المتحدة شروطاً صارمة لتخفيض الرسوم الجمركية على واردات الصلب البريطاني، إذ اشترطت “استيفاء متطلبات غير محددة بشأن أمن سلسلة التوريد وطبيعة ملكية مرافق الإنتاج”. هذا الشرط يضع ملكية “جينجيي” الصينية لشركة “بريتش ستيل” تحت مجهر واشنطن، ويمنحها حق الاعتراض أو فرض مزيد من القيود متى شاءت، مما يهدد استقرار الاستثمارات الأجنبية في القطاع الصناعي البريطاني.
انعكاسات الاتفاق على الصناعة البريطانية
استمرار الضغوط: رغم الإعلان عن خفض جزئي للرسوم، أبقت الولايات المتحدة على رسوم جمركية بنسبة 10% على معظم السلع البريطانية، مع تخفيض الرسوم المرتفعة فقط على الصلب وبعض القطاعات الحيوية. هذا الإجراء لا يكفي لإنقاذ صناعة الصلب البريطانية التي تعاني أصلاً من ارتفاع تكاليف الطاقة والمنافسة الصينية الشرسة.
تأثير محدود على النمو: تشير تقديرات بنك إنجلترا إلى أن هذه السياسات الجمركية قد تؤدي إلى انكماش الاقتصاد البريطاني بنسبة 0.3% خلال السنوات الثلاث المقبلة، ويعود ثلثا هذا التراجع إلى الآثار غير المباشرة على شركاء بريطانيا التجاريين.
ضربة للقطاع: وصف اتحاد صناعة الصلب البريطاني الرسوم الأمريكية بأنها “ضربة مدمرة” للقطاع، إذ تصدر بريطانيا نحو 200 ألف طن من الصلب سنوياً للولايات المتحدة بقيمة تتجاوز 400 مليون جنيه إسترليني.
انتقاد للسياسات التجارية البريطانية والأمريكية
تخبط في الاستراتيجية: الاتفاق لم يحقق هدفه الأساسي في إزالة الرسوم بالكامل، بل أضاف عراقيل جديدة مرتبطة بالسيادة على المصانع والاستثمارات الأجنبية. بدلاً من حماية الصناعة الوطنية، أصبح الاتفاق أداة سياسية للضغط على الصين، على حساب العمالة البريطانية واستدامة القطاع.
استغلال سياسي: استخدمت الولايات المتحدة ملف الرسوم الجمركية للضغط على بريطانيا لتقليص النفوذ الصيني في قطاع الصلب، في خطوة تعكس تصاعد التنافس الجيوسياسي على حساب مصلحة الصناعة المحلية.
تأثير سلبي على الاستثمار: فرض شروط غامضة على “طبيعة ملكية مرافق الإنتاج” يرسل رسالة سلبية للمستثمرين الأجانب، ويهدد بجعل بريطانيا بيئة طاردة للاستثمار الصناعي طويل الأجل.
أهداف غير معلنة: تضييق الخناق على الصين
الاتفاق بين واشنطن ولندن ليس مجرد تفاهم اقتصادي، بل هو جزء من استراتيجية أمريكية أوسع لتقليص دور الصين في سلاسل التوريد الأوروبية، خصوصاً في القطاعات الاستراتيجية مثل الصلب. هذا يتضح من اشتراطات واشنطن المتعلقة بملكية المصانع، وهو ما يعزز توجه الغرب نحو “تسييس التجارة” وربطها بالاعتبارات الأمنية.
الاتفاق لم يحقق انفراجة حقيقية للصناعة البريطانية، بل زاد من تعقيد المشهد عبر إدخال اعتبارات سياسية وأمنية في صلب العلاقات التجارية.
السياسات الجمركية الأمريكية تضعف تنافسية الصناعة البريطانية وتعرقل تدفق الاستثمارات الأجنبية، مع غياب حلول جذرية لأزمة القطاع.
تظل بريطانيا رهينة للضغوط الأمريكية، في وقت تحتاج فيه إلى استراتيجية مستقلة تعيد بناء علاقاتها التجارية مع الاتحاد الأوروبي وتقلل من هشاشتها أمام التغيرات الجيوسياسية.











