في تطور ينذر بتفاقم الأزمة المعيشية، أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن ارتفاع معدل التضخم السنوي بالمدن المصرية إلى 13.9% في أبريل 2025، مقارنة بـ13.6% في مارس الماضي، ليسجل أعلى مستوى له منذ أكثر من عامين، في ظل موجة غلاء متصاعدة تضرب جميع القطاعات الحيوية وتضغط على ملايين الأسر المصرية. يأتي هذا الارتفاع الحاد بعد سلسلة من قرارات الحكومة برفع أسعار الوقود بنسبة وصلت إلى 15%، في خطوة وُصفت بأنها استجابة مباشرة لإملاءات صندوق النقد الدولي، دون اعتبار للواقع المعيشي المتدهور للمواطنين، أو حتى لمؤشرات أسعار النفط العالمية التي تشهد تراجعًا حادًا منذ مطلع العام.
أرقام صادمة تكشف عمق الأزمة
سجل معدل التضخم السنوي في المدن المصرية 13.9% في أبريل 2025، مقابل 13.6% في مارس و12.8% في فبراير، ما يعكس تسارعًا خطيرًا في وتيرة الغلاء. الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين بلغ 253.8 نقطة في أبريل، بزيادة شهرية قدرها 1.3% عن مارس. ارتفعت أسعار الكهرباء والغاز ومواد الوقود الأخرى بنسبة 6.7%، وقسم النقل والمواصلات بنسبة 7.5% خلال شهر واحد فقط، ما يؤكد الأثر المباشر للزيادات الحكومية على جيوب المواطنين. قفزت أسعار السولار بنسبة 17%، ليصل إلى 13.50 جنيه للتر، فيما ارتفع بنزين 95 إلى 19 جنيهًا، وبنزين 92 إلى 17.25 جنيهًا، وبنزين 80 إلى 15.75 جنيهًا للتر.
سياسات حكومية تحت المجهر: غضب شعبي وانتقادات واسعة
أثارت قرارات الحكومة برفع أسعار الوقود غضبًا واسعًا في الشارع المصري، ووصفتها قوى سياسية واقتصادية بأنها نتيجة حتمية لسياسات اقتصادية فاشلة تقوم على التوسع في الاقتراض الخارجي، ورفع الدعم عن السلع الأساسية، دون أي اعتبار للطبقات الفقيرة والمتوسطة التي تتحمل وحدها فاتورة الإصلاحات. وأكدت الحركة المدنية الديمقراطية أن الحكومة تواصل فرض الأعباء الاقتصادية على الشعب بشكل غير مبرر، في حين يعيش المسؤولون بعيدًا عن واقع المواطنين، ولا يلقون بالًا لتداعيات هذه القرارات على حياتهم اليومية.
زيادة أسعار البنزين ليست مجرد خطوة غير منطقية، بل هي نتيجة حتمية لسياسات اقتصادية فاشلة تتمثل في التوسع في الاقتراض الدولي، وزيادة معدلات التضخم، ورفع الدعم عن السلع الأساسية. هذه السياسات لا تعمل إلا على زيادة معاناة الشعب المصري بشكل غير مسبوق.
تأثيرات كارثية على المعيشة: كل بيت مصري يدفع الثمن
ارتفاع أسعار الوقود انعكس مباشرة على تكلفة النقل، وأسعار السلع الغذائية، والخدمات الأساسية، ما أدى إلى موجة غلاء جديدة شملت الخضروات، الحبوب، الملابس، والإيجارات. رغم انخفاض أسعار اللحوم والدواجن والفاكهة بشكل طفيف، إلا أن الزيادات في الكهرباء، النقل، الرعاية الصحية بنسبة 7.7%، والملابس بنسبة 2%، فاقمت من الضغوط على الأسر محدودة الدخل. خبراء الاقتصاد حذروا من أن كل زيادة بنسبة 10% في أسعار الوقود ترفع معدل التضخم بنحو 0.4% بشكل مباشر، مع تأثيرات غير مباشرة أكبر بكثير على أسعار بقية السلع والخدمات.
ديون متفاقمة وعجز حكومي عن الحل
تزامن تصاعد التضخم مع تضاعف ديون مصر أربع مرات خلال العقد الماضي لتصل إلى 155.2 مليار دولار، وقفزت الديون المحلية من 3.6 تريليون جنيه في 2020 إلى 7.7 تريليون جنيه في منتصف 2024، بينما ارتفعت الديون الخارجية من 1.1 تريليون إلى 3.8 تريليون جنيه، ما جعل خدمة الديون تستحوذ على 63% من الموازنة العامة. هذه الأرقام تفضح عجز الحكومة عن إيجاد حلول حقيقية للأزمة الاقتصادية، وتكشف أن المواطن البسيط هو الضحية الأولى والأخيرة لسياسات اقتصادية تفتقر للعدالة الاجتماعية.
انتقادات برلمانية وتحذيرات من اضطرابات اجتماعية
شهد مجلس النواب تحركات غاضبة ضد الحكومة، حيث أكدت النائبة ريهام عبد النبي أن الزيادة الأخيرة في أسعار المحروقات تجاوزت النسبة القانونية، واعتبرتها خرقًا صريحًا للقانون وتجاهلًا صارخًا للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين. كما حذر نواب وسياسيون من أن استمرار هذه السياسات قد يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية تهدد استقرار المجتمع، في ظل تآكل الدخول وغياب أي حماية للفقراء.
أسباب التضخم في مصر وارتباطه بشروط صندوق النقد الدولي
شهدت مصر في السنوات الأخيرة موجات تضخم متتالية أثرت بشكل مباشر على القوة الشرائية للمواطنين، وارتبطت هذه الموجات بشكل وثيق بالإصلاحات الاقتصادية التي فرضها برنامج صندوق النقد الدولي. وتعود أسباب التضخم في مصر إلى مجموعة من العوامل الهيكلية والظرفية، من أبرزها:
تحرير أسعار الصرف
أدى تطبيق سياسة سعر الصرف المرن، أحد الشروط الرئيسية لصندوق النقد الدولي، إلى انخفاض حاد في قيمة الجنيه المصري، ما رفع تكلفة السلع المستوردة وزاد من أسعار المواد الخام والطاقة، وبالتالي ارتفعت أسعار السلع والخدمات الأساسية بشكل كبير.
رفع الدعم عن الوقود والطاقة
التزمت الحكومة المصرية بتقليص الدعم تدريجيًا على المحروقات والكهرباء ضمن اتفاقها مع صندوق النقد، ما أدى إلى زيادات متكررة في أسعار الوقود وصلت إلى 15 في المئة في بعض الفترات، وانعكس ذلك بشكل مباشر على تكاليف النقل والإنتاج، ودفع أسعار السلع للارتفاع.
زيادة الضرائب والرسوم
شملت الإصلاحات المالية التي أوصى بها الصندوق توسيع القاعدة الضريبية وزيادة بعض الرسوم الحكومية، ما أضاف أعباءً جديدة على القطاع الخاص والمستهلكين، وساهم في رفع أسعار المنتجات النهائية.
تأثيرات الأزمات العالمية
ساهمت الأزمات الجيوسياسية، مثل الحرب في أوكرانيا والصراع في غزة، في زيادة أسعار السلع الأساسية عالميًا، ما انعكس على السوق المصري الذي يعتمد بشكل كبير على الاستيراد.
الديون وتكلفة التمويل
أدت برامج الاقتراض من صندوق النقد الدولي ومصادر أخرى إلى تضخم الدين العام وزيادة مدفوعات الفائدة، ما أجبر الحكومة على اتخاذ إجراءات تقشفية مثل خفض الدعم وزيادة الأسعار، لتوفير موارد مالية لسداد الديون.
شروط صندوق النقد الدولي وتأثيرها على التضخم
يرتبط ارتفاع التضخم في مصر بشكل مباشر بتطبيق شروط صندوق النقد الدولي، والتي تركز على:
تحرير سعر الصرف
أدى إلى موجات متتالية من خفض قيمة الجنيه، ما رفع أسعار السلع المستوردة وأدى إلى تضخم كبير في أسعار الغذاء والطاقة.
خفض الدعم الحكومي
شمل ذلك رفع أسعار الوقود والكهرباء والخبز المدعم، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف المعيشة بشكل غير مسبوق، خاصة على الفئات الفقيرة والمتوسطة.
خصخصة الشركات الحكومية
التزمت مصر ببيع أكثر من أربع وعشرين أصلًا حكوميًا لجذب الاستثمارات الأجنبية، في إطار خطة لتقليل دور الدولة في الاقتصاد، لكن هذه الإجراءات لم تنعكس بشكل إيجابي على الأسعار أو فرص العمل حتى الآن.
تشديد السياسة النقدية
لجأ البنك المركزي إلى رفع أسعار الفائدة للحد من التضخم، ما أدى إلى زيادة تكلفة التمويل على القطاع الخاص والمستهلكين.
آثار اجتماعية واقتصادية
أدت هذه السياسات إلى ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات قياسية، حيث اقتربت من أربعين في المئة في بعض الفترات قبل أن تتراجع تدريجيًا، لكنها لا تزال عند مستويات مرتفعة مقارنة بالسنوات السابقة. ويؤكد صندوق النقد الدولي نفسه أن التضخم في مصر يمثل أحد أكبر التحديات التي تهدد الاستقرار الاجتماعي، خاصة مع تآكل الدخول وارتفاع معدلات الفقر والبطالة.
ورغم أن الحكومة المصرية أطلقت حزم دعم اجتماعي مؤقتة، إلا أن الأثر الأكبر بقي على الفئات الأكثر ضعفًا، حيث تحمّل المواطنون وحدهم كلفة الإصلاحات الاقتصادية دون تحسن ملموس في الخدمات أو فرص العمل.
تشير التجربة المصرية مع صندوق النقد الدولي إلى أن معظم موجات التضخم الأخيرة مرتبطة بشكل مباشر بتنفيذ شروط الصندوق، خاصة تحرير سعر الصرف ورفع الدعم عن الوقود والطاقة. ورغم أن هذه السياسات تهدف إلى تحقيق استقرار اقتصادي طويل الأجل، إلا أن نتائجها الفورية أدت إلى ضغوط معيشية كبيرة على المواطنين، وخلقت تحديات اجتماعية واقتصادية تحتاج إلى حلول أكثر توازنًا وعدالة لضمان استدامة الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في مصر.
إلى أين تتجه مصر؟
تؤكد الأرقام والوقائع أن مصر تواجه أزمة تضخم متفاقمة، تدفع ثمنها الطبقات الفقيرة والمتوسطة وحدها، بينما تواصل الحكومة تحميل المواطنين أعباء سياسات اقتصادية فاشلة، دون أي حلول واقعية أو إجراءات جادة لحماية المجتمع من الانهيار. ومع استمرار موجة الغلاء وغياب العدالة الاجتماعية، يبقى السؤال: إلى متى سيظل المواطن المصري يدفع فاتورة قرارات لم يشارك في صنعها؟











