قصة العنود العتيبي: معاناة اللاجئة السعودية العائدة من بريطانيا وانعكاساتها على قضايا حقوق المرأة
أثارت قصة العنود العتيبي، اللاجئة السعودية التي عادت مؤخراً إلى المملكة بعد لجوء دام عدة سنوات في بريطانيا، جدلاً واسعاً في أوساط المدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء حقوق المرأة. تكشف قضية العتيبي عن تعقيدات نظام الولاية في السعودية وتحديات الإصلاحات الاجتماعية الجارية في المملكة، كما تسلط الضوء على مسألة اللجوء النسائي السعودي في الخارج وتداعياته السياسية والاجتماعية. تأتي عودتها في ظل تحولات تشهدها المملكة على صعيد حقوق المرأة، مما يجعل قصتها محور نقاش متجدد حول سرعة وعمق التغييرات في المجتمع السعودي.
خلفية القصة: رحلة هروب ولجوء وعودة
غادرت العنود العتيبي (28 عاماً) المملكة العربية السعودية في عام 2019 متوجهة إلى المملكة المتحدة، حيث تقدمت بطلب للحصول على اللجوء السياسي. كانت العتيبي من بين عشرات النساء السعوديات اللواتي اخترن مسار الهروب من البلاد خلال السنوات الأخيرة، متحدثة عن معوقات قانونية واجتماعية تعيق حريتها الشخصية واستقلالها الذاتي.
وفقاً لمحاميتها سارة ويلكينسون، التي تحدثت لوسائل الإعلام البريطانية: “لقد واجهت العنود صعوبات جمة في إثبات أن عودتها إلى السعودية ستشكل خطراً حقيقياً على حريتها وأمنها الشخصي، رغم الأدلة التي قدمناها حول القيود المفروضة على النساء في بلادها الأصلية”.
بعد معركة قانونية استمرت لأكثر من عامين، رفضت السلطات البريطانية منحها حق اللجوء، مستشهدة بالإصلاحات الأخيرة في المملكة العربية السعودية وعدم وجود خطر فعلي على حياتها. في مارس 2023، قررت العتيبي العودة طواعية إلى السعودية بعد استنفاد جميع سبل الطعن القانونية وفي ظل صعوبات مادية متزايدة.
تقول فاطمة الرشيدي، باحثة في شؤون حقوق المرأة الخليجية: “حالات مثل العنود تكشف عن التناقض بين خطاب الإصلاح الرسمي والممارسة الواقعية. فرغم التغييرات القانونية الإيجابية، لا تزال البنى الاجتماعية والثقافية تشكل تحديات حقيقية أمام استقلالية المرأة السعودية”.
تفاصيل رحلة العودة
عادت العتيبي إلى الرياض في أبريل 2023، وسط تكتم إعلامي من الجانبين السعودي والبريطاني. وحسب مصادر مطلعة، تم استقبالها من قبل أسرتها في مطار الملك خالد الدولي دون أي إجراءات قانونية ظاهرة.
“لقد كان قرار العودة صعباً للغاية بالنسبة للعنود، لكنها وجدت نفسها أمام خيارات محدودة بعد رفض طلب لجوئها ونفاد مواردها المالية في بلد غريب”، حسبما أفاد مقربون منها طلبوا عدم الكشف عن هويتهم.
الإصلاحات السعودية المتعلقة بحقوق المرأة
شهدت المملكة العربية السعودية خلال السنوات الخمس الماضية سلسلة من الإصلاحات المتعلقة بحقوق المرأة، تماشياً مع رؤية 2030 التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. من أبرز هذه الإصلاحات:
- السماح للمرأة بقيادة السيارة في عام 2018
- تعديلات على نظام السفر في 2019، مما سمح للنساء فوق 21 عاماً بالسفر دون إذن ولي الأمر
- تعديلات قانونية تسمح للمرأة بالعيش بشكل مستقل
- زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل وفي المناصب القيادية
يقول الدكتور عبد الله المطيري، أستاذ علم الاجتماع في جامعة الملك سعود: “لا يمكن إنكار حجم التغييرات التي شهدتها المملكة في ملف حقوق المرأة، لكن التحول الاجتماعي يحتاج إلى وقت أطول من التغيير القانوني. ما نراه اليوم هو مجتمع في مرحلة انتقالية يتعايش فيه القديم والجديد”.
تداعيات قصة العنود على ملف حقوق المرأة
أثارت قصة العنود نقاشات واسعة حول فعالية الإصلاحات السعودية وتأثيرها الحقيقي على حياة النساء السعوديات. انقسمت الآراء بين من يرى أن عودتها دليل على تحسن الأوضاع في المملكة، وبين من يعتبرها مؤشراً على استمرار المشكلات الهيكلية رغم الإصلاحات الظاهرية.
نورة الشمري، ناشطة سعودية في مجال حقوق المرأة، تقول: “قصة العنود ليست فريدة، بل تمثل معضلة تعيشها العديد من النساء السعوديات بين الإصلاحات القانونية المتسارعة والموروث الثقافي المقاوم للتغيير. نحتاج إلى فهم أن التحرر الحقيقي للمرأة يتطلب تغييراً في الوعي المجتمعي بأكمله”.
من جانبها، ترى سارة لي، المديرة التنفيذية لمنظمة “حقوق المرأة بلا حدود”، أن “قضايا مثل قضية العنود تسلط الضوء على أهمية الاستماع إلى تجارب النساء أنفسهن بدلاً من الاكتفاء بقراءة النصوص القانونية. الفجوة بين القانون والممارسة قد تكون واسعة في مجتمعات تمر بمراحل تحول سريعة”.
ردود الفعل الرسمية
لم تصدر تعليقات رسمية من الحكومة السعودية حول قصة العنود تحديداً، لكن المتحدث باسم هيئة حقوق الإنسان السعودية، الدكتور وليد الخالدي، أشار في تصريحات عامة إلى أن “المملكة قطعت شوطاً كبيراً في ملف تمكين المرأة وإزالة القيود التي كانت تعيق مشاركتها الفاعلة في المجتمع. والإصلاحات مستمرة بوتيرة متسارعة”.
أما الجانب البريطاني، فقد أوضح متحدث باسم وزارة الداخلية البريطانية أن “جميع طلبات اللجوء تتم دراستها بشكل فردي وفق المعايير الدولية المتبعة، مع مراعاة كافة الظروف المحيطة بكل حالة”.
حالات مشابهة وتأثيراتها
لم تكن العنود العتيبي الحالة الوحيدة للاجئات سعوديات في الخارج. فقد شهدت السنوات الأخيرة عدة حالات مشابهة، منها:
- قضية رهف القنون التي حصلت على اللجوء في كندا عام 2019
- قضية الأختين وفاء ومها السبيعي اللتين التجأتا إلى جورجيا ثم هونغ كونغ
- حالات أخرى لم تحظ بالاهتمام الإعلامي نفسه
يقول خالد اليماني، خبير في شؤون الشرق الأوسط: “أصبحت قضايا اللاجئات السعوديات جزءاً من الصورة العامة للمملكة خلال فترة التحول، وهي تعكس التوترات الطبيعية في مجتمع يشهد تغييرات جذرية. مع ذلك، لاحظنا انخفاضاً في عدد حالات اللجوء الجديدة خلال العامين الماضيين، مما قد يشير إلى تأثير إيجابي للإصلاحات الأخيرة”.
التأثيرات المستقبلية المحتملة
تثير قصة العنود وغيرها من اللاجئات العائدات تساؤلات حول مستقبل الإصلاحات السعودية المتعلقة بحقوق المرأة، ومدى قدرة هذه الإصلاحات على معالجة التحديات الهيكلية في المجتمع.
الدكتورة هدى الرشيد، أستاذة العلوم السياسية، تتوقع أن “قضايا اللاجئات العائدات ستشكل اختباراً حقيقياً لمدى عمق الإصلاحات السعودية. نجاح تجارب العودة سيرسل إشارات إيجابية للخارج حول جدية المملكة في ملف حقوق المرأة، بينما أي انتكاسات قد تؤثر سلباً على صورة الإصلاحات برمتها”.
وتضيف: “المجتمع الدولي يراقب عن كثب تجارب النساء العائدات، وسيبني عليها تقييمه للوضع الحقوقي في المملكة”.










