أعلنت الحكومة المصرية عن توقيع اتفاقية مع روسيا لإنشاء منطقة صناعية روسية داخل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وسط احتفاء رسمي وترويج واسع للمشروع باعتباره خطوة استراتيجية لتعزيز الاقتصاد الوطني وجذب الاستثمارات الأجنبية. لكن، هل تحقق هذه الاتفاقية بالفعل تطلعات المصريين، أم تفتح الباب أمام تكرار تجارب سابقة لم تحقق النتائج المرجوة؟
وعود كبيرة… وواقع استثماري غامض
تروج الحكومة للمشروع باعتباره نقلة نوعية ستجذب استثمارات تقدر بمليارات الدولارات وتوفر عشرات الآلاف من فرص العمل، مع وعود بنقل التكنولوجيا وتطوير الصناعة المحلية. لكن خبراء الاقتصاد يحذرون من أن الاتفاقية تفتقر إلى الشفافية فيما يتعلق بآليات التنفيذ، وضمانات تحقيق العائدات الحقيقية للاقتصاد المصري، خاصة في ظل تجارب سابقة لمناطق صناعية أجنبية لم تحقق النتائج المرجوة.
إعفاءات وتسهيلات… لصالح من؟
تنص الاتفاقية على منح الشركة الروسية إعفاءً من الإيجار لمدة ثلاث سنوات، وحوافز ضريبية وضمانات استثنائية، مع إمكانية بيع المنتجات بالكامل في السوق المحلي. ورغم أن هذه الحوافز قد تشجع الاستثمار، إلا أن المخاوف تتزايد من أن تتحول المنطقة إلى “جزر صناعية مغلقة” لا تدمج فعليًا في الاقتصاد المصري، وتستفيد منها الشركات الأجنبية فقط دون تحقيق قيمة مضافة حقيقية أو فرص عمل مستدامة للمصريين.
غياب الشفافية والمساءلة
لم تعلن الحكومة حتى الآن عن تفاصيل واضحة حول نسب العمالة الوطنية، أو آليات مراقبة نقل التكنولوجيا، أو خطط دمج الشركات الصغيرة والمتوسطة المصرية في سلاسل التوريد الخاصة بالمشروع. كما لم توضح كيف ستتم حماية الصناعة المحلية من المنافسة غير العادلة، خاصة مع منح الشركات الروسية حرية البيع في السوق المصري، ما قد يهدد الصناعات الوطنية الناشئة.
دروس من الماضي
تجارب مصر السابقة مع المناطق الصناعية الأجنبية، مثل المنطقة الصينية في العين السخنة، كشفت عن تحديات كبيرة في التنفيذ، وضعف في نقل الخبرات، وعدم تحقيق الأهداف المعلنة من توفير فرص العمل أو زيادة الصادرات. ويخشى مراقبون من أن تكرر المنطقة الصناعية الروسية نفس الأخطاء، في ظل غياب رؤية واضحة وخطة حكومية معلنة لمتابعة التنفيذ وتقييم النتائج.
هل يستفيد الاقتصاد المصري حقًا؟
في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية، وتراجع قيمة الجنيه، وتزايد معدلات البطالة، ينتظر المصريون من الحكومة شفافية أكبر في إدارة الملف الاستثماري، وضمان أن تصب العوائد في مصلحة الاقتصاد الوطني وليس فقط في صالح المستثمر الأجنبي. كما تحتاج الحكومة إلى وضع آليات واضحة لمتابعة التنفيذ، وضمان مشاركة حقيقية للقطاع الخاص المصري، وتوفير فرص عمل حقيقية ومستدامة للمواطنين.
خلاصة
رغم أهمية جذب الاستثمارات الأجنبية، إلا أن التجارب السابقة تؤكد أن نجاح المشروعات الكبرى يتوقف على الشفافية، والمساءلة، وضمان تحقيق قيمة مضافة حقيقية للاقتصاد الوطني. ويبقى السؤال: هل تتعلم الحكومة من أخطاء الماضي وتضع مصلحة المواطن في المقدمة، أم تكتفي بتكرار نفس السياسات التي لم تحقق التنمية المنشودة؟











