في تطور اقتصادي مثير للقلق، سجلت الولايات المتحدة ارتفاعًا جديدًا في مؤشرات البطالة وتراجعًا حادًا في ثقة المستهلكين، ما يسلط الضوء على تحديات متزايدة تواجه أكبر اقتصاد في العالم وسط ضغوط التضخم وتباطؤ النمو.
قفزة في طلبات إعانة البطالة: أعلى مستوى منذ نوفمبر
أعلنت وزارة العمل الأمريكية عن زيادة طلبات إعانة البطالة الأولية بمقدار 18 ألف طلب خلال الأسبوع الأخير، ليصل إجمالي الطلبات إلى 1.92 مليون، وهو أعلى مستوى منذ نوفمبر الماضي. هذه الزيادة المفاجئة فاقت توقعات المحللين، حيث قدرت تقديرات داو جونز عدد الطلبات عند 225 ألفًا فقط، بينما بلغ الرقم الفعلي 241 ألف طلب للأسبوع المنتهي في 26 أبريل.
توزعت هذه الزيادة بشكل ملحوظ في ولايات مثل نيويورك، التي شهدت تضاعف عدد الطلبات بسبب عطلة الربيع في المدارس العامة، إلى جانب مقاطعة كولومبيا التي تأثرت بتقليص رواتب الحكومة الفيدرالية. وتأتي هذه المؤشرات في وقت يتوقع فيه خبراء الاقتصاد استمرار ارتفاع طلبات الإعانة خلال الأسابيع المقبلة، في ظل تدهور مؤشرات التوظيف وتسريح العمال.
معدل البطالة يرتفع إلى 4.2%: أعلى مستوى في 6 أشهر
ارتفع معدل البطالة في الولايات المتحدة إلى 4.2% في مارس وأبريل 2025، مسجلًا أعلى مستوى له منذ نوفمبر 2024، ومتجاوزًا توقعات السوق التي كانت تشير إلى 4.1%. وبلغ عدد العاطلين عن العمل 7.165 مليون شخص، بزيادة 82 ألفًا عن الشهر السابق، رغم نمو الوظائف بمقدار 436 ألف وظيفة. كما ارتفع معدل مشاركة القوى العاملة إلى 62.6%.
ورغم أن هذا المعدل لا يزال منخفضًا نسبيًا مقارنة بالمتوسط التاريخي، إلا أن وتيرة الارتفاع تعكس تأثير السياسات النقدية الصارمة التي اتبعها الاحتياطي الفيدرالي للحد من التضخم، ما أدى إلى تباطؤ في الأنشطة الاقتصادية، خاصة في قطاعات السيارات والعقارات.
تراجع ثقة المستهلكين: أدنى مستوى منذ 5 سنوات
لم تقتصر الضغوط على سوق العمل فقط، بل امتدت إلى ثقة المستهلكين، التي هبطت إلى أدنى مستوياتها في خمسة أعوام. فقد انخفض مؤشر ثقة المستهلك الصادر عن كونفرنس بورد بنحو 7.9 نقطة ليصل إلى 86 نقطة في أبريل، وهو أقل من تقديرات داو جونز وأدنى قراءة منذ 2020. كما تراجعت مؤشرات توقعات المستهلكين للأشهر الستة المقبلة إلى 54.4 نقطة، وهي الأدنى منذ أكتوبر 2011.
هذا التراجع الحاد يعكس تشاؤمًا واسع النطاق بشأن المستقبل، حيث انخفضت جميع مكونات المؤشر الثلاثة: ظروف العمل، وآفاق التوظيف، والدخل المستقبلي. كما ارتفعت توقعات التضخم للعام المقبل إلى 7%، وهي الأعلى منذ نوفمبر 2022، وتزايدت توقعات الركود إلى أعلى مستوياتها في عامين.
أسباب الأزمة: سياسات نقدية متشددة وحرب تجارية مشتعلة
يرجع الخبراء هذا التدهور إلى عدة عوامل متشابكة، أبرزها السياسات النقدية الصارمة ورفع أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي للحد من التضخم، ما أدى إلى تباطؤ الاستثمار والإنفاق الاستهلاكي. كما ساهمت الحرب التجارية وتصاعد الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين في اضطراب سلاسل الإمداد وزيادة تكلفة المعيشة، ودفع المستهلكين إلى تقليص الإنفاق وزيادة الادخار. وسجل الناتج المحلي الإجمالي انكماشًا بنسبة 0.3% في الربع الأول من 2025، وهو أول انكماش منذ ثلاث سنوات، مدفوعًا بارتفاع الواردات وتراجع الإنفاق الحكومي والاستهلاكي.
توقعات قاتمة: مخاوف من ركود اقتصادي
تشير توقعات بنوك الاستثمار الكبرى إلى احتمالية ارتفاع معدل البطالة إلى 5.3% بنهاية 2025، مع تباطؤ في وتيرة التوظيف في مختلف القطاعات. كما رفعت مؤسسات مثل جي بي مورغان وستاندرد آند بورز احتمالات حدوث ركود اقتصادي في الولايات المتحدة إلى ما بين 30% و60% خلال العام الجاري، في ظل استمرار الضغوط التضخمية وتراجع ثقة المستهلكين.
الأسواق المالية: مكاسب هشة وسط الضبابية
ورغم تحقيق الأسواق المالية مكاسب أسبوعية مؤخراً، إلا أن هذه المكاسب تبدو هشة في ظل تزايد المخاوف من الركود وتراجع ثقة المستثمرين. فقد انعكست التوقعات السلبية على أداء الأسهم، مع ارتفاع توقعات انخفاض الأسعار خلال الاثني عشر شهرًا القادمة إلى 48.5%، وهي أسوأ قراءة منذ 2011.
خلاصة: الاقتصاد الأمريكي أمام اختبار حقيقي
تشير المؤشرات الأخيرة إلى أن الاقتصاد الأمريكي يواجه اختبارًا حقيقيًا في 2025، مع ارتفاع البطالة وتراجع ثقة المستهلكين وسط ضغوط تضخمية وسياسات نقدية متشددة. في ظل هذه المعطيات، يبقى مستقبل النمو الاقتصادي مرهونًا بقدرة صناع القرار على تحقيق التوازن بين دعم سوق العمل وكبح جماح التضخم، وتبني سياسات تحفز الإنفاق الاستهلاكي وتعيد الثقة للأسواق.





