لندن – أعلن وزير الخارجية البريطاني، اليوم، أن بلاده قررت تعليق مفاوضات اتفاق التجارة الحرة مع الحكومة الإسرائيلية، في خطوة تعكس تزايد التوترات الدبلوماسية على خلفية السياسات الإسرائيلية الراهنة. وقال الوزير إن “استمرار إسرائيل في نهجها الحالي سيدفعنا لاتخاذ خطوات إضافية”، دون توضيح تفاصيل تلك الخطوات.
القرار البريطاني يأتي في وقت تتزايد فيه الانتقادات الأوروبية والدولية لتصرفات إسرائيل، خاصةً ما يتعلق بالوضع الإنساني في الأراضي الفلسطينية، ويضع مزيدًا من الضغط على حكومة بنيامين نتنياهو.
وتشهد العلاقات البريطانية الإسرائيلية توتراً متصاعداً بعد إعلان الحكومة البريطانية عن سلسلة من الإجراءات العقابية ضد إسرائيل، أبرزها تعليق مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة وفرض قيود على مبيعات الأسلحة، مع التهديد باتخاذ مزيد من الإجراءات إذا استمر التصعيد العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة.
هذه الخطوات تمثل تحولاً ملحوظاً في الموقف البريطاني تجاه إسرائيل وسط انتقادات دولية متزايدة للعمليات العسكرية الإسرائيلية وتداعياتها الإنسانية الكارثية في غزة.
تفاصيل الموقف البريطاني الجديد وأسبابه
أعلن وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي في إفادته أمام مجلس العموم البريطاني يوم الثلاثاء 20 مايو 2025، عن تعليق المفاوضات الجارية مع الحكومة الإسرائيلية بشأن اتفاق التجارة الحرة بين البلدين.
وأكد لامي في تصريحاته أن “توسيع إسرائيل للعملية العسكرية لا يمكن تبريره أخلاقياً وغير متناسب ويأتي بنتائج عكسية”. وأضاف: “علقنا المفاوضات مع الحكومة الإسرائيلية في شأن اتفاق التجارة الحرة، وإذا واصلت إسرائيل نهجها فسنتخذ خطوات أخرى”.
وتزامنت هذه الخطوة مع إعلان بريطانيا عن استدعاء السفيرة الإسرائيلية في لندن واستجوابها بشأن التصعيد العسكري الإسرائيلي وتوسيع العمليات في قطاع غزة. كما أشار الوزير البريطاني إلى أن بلاده “لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي أمام التدهور المتسارع للأوضاع الإنسانية في غزة”.
تعليق مبيعات الأسلحة وفرض عقوبات
في خطوة تصعيدية إضافية، أعلنت الحكومة البريطانية عن تعليق مبيعات الأسلحة لإسرائيل التي يمكن استخدامها في غزة.
ووفقاً لتصريحات وزير الخارجية ديفيد لامي، فإن “منع دخول المساعدات لغزة يعد انتهاكاً للقانون الدولي”، مشدداً على ضرورة “وضع حد لسلوك إسرائيل والقول لها إن هناك إجراءات أخرى ستتخذ إذا لم توقف حرب غزة”.
كما أعلنت بريطانيا عن فرض عقوبات على مستوطنين وشركات إسرائيلية بسبب انتهاكها حقوق الفلسطينيين. وقد وصف وزير الخارجية البريطاني ما يقوله الوزير الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش عن “تطهير غزة” بأنه “تطرف خطير ووحشي” وأدانه “بأشد العبارات”.
تأثير تعليق المفاوضات التجارية على العلاقات الاقتصادية
يمثل تعليق مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة ضربة للعلاقات الاقتصادية بين بريطانيا وإسرائيل. فاتفاقيات التجارة الحرة عموماً تهدف إلى تسهيل التبادل التجاري بين الدول من خلال إلغاء الرسوم الجمركية وتخفيف القيود التجارية.
وبحسب نموذج اتفاقية التجارة الحرة بين دول مجلس التعاون الخليجي ورابطة التجارة الحرة الأوروبية (إفتا)، فإن مثل هذه الاتفاقيات تتضمن عادة فصولاً تغطي التجارة في السلع والخدمات والمشتريات الحكومية والمنافسة والملكية الفكرية والإدارة وحل المنازعات.
وعليه، فإن تعليق المفاوضات يعني تأجيل الاستفادة من هذه المزايا التجارية.
موقف رئيس الوزراء البريطاني
أكد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في جلسة مساءلة أمام البرلمان البريطاني أن “الوضع في غزة خطير للغاية ولا يُحتمل”، وأن بريطانيا وشركاءها “لن يسمحوا لسكان غزة بأن يجوعوا”. وأضاف أن الحكومة البريطانية تعمل مع حلفائها لتنسيق موقف مشترك إزاء هذا الصراع.
الموقف البريطاني من عملية السلام
وجه وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي رسالة مباشرة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قائلاً: “أنهِ الحصار فوراً واسمح بدخول المساعدات إلى قطاع غزة”. كما أكد أن “حكومة نتنياهو تعزل إسرائيل عن أصدقائها وشركائها حول العالم”.
وأشار لامي إلى أن “حل الدولتين يبقى الإطار الوحيد لسلام عادل ودائم”. وشدد على أن “معارضة بريطانيا لتوسيع الحرب التي أودت بحياة آلاف الأطفال في غزة لا تعني دعم حماس، وفرض العقوبات على إسرائيل هو رسالة واضحة بضرورة إدخال المساعدات الإنسانية بشكل عاجل إلى القطاع”.
نقد الاستراتيجية الإسرائيلية
انتقد وزير الخارجية البريطاني الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية في غزة، مشيراً إلى أن “خطة إسرائيل لن تجلب الأمن”، وأن “توسيع العمليات العسكرية في غزة غير مبرر أخلاقياً، وغير متناسب، ويؤدي إلى نتائج عكسية”.
وأضاف لامي أن “كل الرهائن تقريباً في غزة أفرج عنهم عبر المفاوضات وليس بالقوة”. وتابع: “رغم جهودنا المستمرة فإن الأفعال الفظيعة للحكومة الإسرائيلية وخطابها مستمران”.
تحليل الموقف الدولي والإحباط الأمريكي
أشار وزير الخارجية البريطاني إلى وجود “إحباط عميق داخل إدارة ترامب بسبب تصرفات الحكومة الإسرائيلية”، في إشارة إلى عدم رضا الإدارة الأمريكية عن الأساليب التي تتبعها إسرائيل في تعاملها مع الأزمة في غزة.
ويكشف هذا التصريح عن تنسيق محتمل بين الموقف البريطاني والأمريكي تجاه إسرائيل، وعن زيادة الضغوط الدولية على الحكومة الإسرائيلية لتغيير سياساتها في غزة.
يمثل قرار تعليق المفاوضات التجارية مع إسرائيل والتهديد باتخاذ خطوات إضافية تحولاً ملموساً في الموقف البريطاني تجاه إسرائيل.
وتعكس هذه الخطوات تصاعد القلق الدولي إزاء الوضع الإنساني المتدهور في غزة، وتزايد عدم الرضا عن الأساليب العسكرية الإسرائيلية.
وتشير هذه التطورات إلى أن إسرائيل قد تواجه المزيد من الضغوط الدولية والعزلة إذا استمرت في نهجها الحالي في غزة. كما تؤكد على أهمية إيجاد حل سياسي للصراع على أساس حل الدولتين، باعتباره السبيل الوحيد لتحقيق السلام العادل والدائم في المنطقة.










