في تقرير جديد أصدره معهد السياسة الدولية الإيطالي اليوم الجمعة، اعتبر خبراء ومحللون أن عهد رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة “قد انتهى فعليًا”، في ظل تصاعد الاحتجاجات الشعبية وانفجار العنف بين الميليشيات المتصارعة في العاصمة طرابلس، مؤكدين أن الوضع في ليبيا بات ينذر بانهيار أمني وسياسي وشيك.
وأشار التقرير إلى أن مقتل عبد الغني الككلي، المعروف بـ”غنيوة”، قائد جهاز دعم الاستقرار، في 12 مايو الجاري، كان بمثابة الشرارة التي أعادت العاصمة إلى أتون الاشتباكات المسلحة، مبرزًا أن المواجهات الأخيرة تُعد الأعنف منذ سنوات، وتدل على تدهور خطير في توازن القوى داخل طرابلس.
وقال كريم مزران، مدير مبادرة شمال أفريقيا في المجلس الأطلسي، إن “معظم الليبيين والجهات الدولية يتفقون على أن زمن الدبيبة قد انتهى”، موضحًا أن الحكومة الحالية، التي لم تحظَ بشرعية توافقية منذ تأسيسها، تواجه اتهامات متكررة بالفساد وشراء الولاءات وتكريس سلطة مركزية هشة.
وذكر التقرير أن مقتل غنيوة شكل أول تغيير جذري في موازين القوى الأمنية في العاصمة منذ أغسطس 2022، بينما شهدت الأيام التالية اشتباكات متصاعدة بين أبرز التشكيلات المسلحة. وفي الوقت الذي أعلن فيه الدبيبة عن حل بعض الأجهزة الأمنية وإعادة هيكلة المؤسسات الأمنية، رأى محللون أن هذه الخطوات لم تؤدِ إلى إضعاف الميليشيات، بل زادت من انكشاف الحكومة.
وقالت الباحثة كلوديا غازيني، كبيرة المحللين في مجموعة الأزمات الدولية، إن “الكتائب المسلحة لا تزال صامدة، ولن تتردد في خوض معارك جديدة للدفاع عن مصالحها”، مضيفة أن محاولة ضرب قادة آخرين بعد غنيوة أظهرت أن سلطة الحكومة محدودة، وأن المشهد في طرابلس لا يزال تحكمه المصالح التي تشبه إلى حد كبير المصالح المافيوية.
وفي السياق ذاته، أكد طارق المجريسي، الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن المظاهرات المتصاعدة تعكس غضبًا شعبيًا عارمًا من نظام سياسي “فقد شرعيته تمامًا”، محذرًا من أن ترك المرحلة الانتقالية بيد نفس الأجسام المرفوضة قد يعيد البلاد إلى أتون حرب أهلية.
من جانبه، أوضح جلال حرشاوي، الباحث في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، أن الحل يتطلب مرحلة انتقالية جديدة تقودها حكومة موحدة ومهام واضحة، داعيًا إلى بدء انتخابات برلمانية فقط كخطوة أولى للخروج من الانسداد الحالي.
وفي الجانب الدولي، أشار التقرير إلى استمرار التدخلات الأجنبية العميقة في ليبيا، حيث تدعم تركيا حكومة الدبيبة عبر مدربين ومرتزقة، بينما تساند مصر وروسيا سلطات الشرق، في حين تُتهم موسكو باستغلال تهريب النفط كوسيلة للالتفاف على العقوبات الدولية.
واختتم التقرير بالإشارة إلى أن الانهيار الأمني والسياسي في طرابلس يمثل تهديدًا مباشرًا لاستقرار ليبيا والمنطقة، في ظل غياب استراتيجية دولية فعالة، ووجود قوى محلية مسلحة غير مستعدة للتخلي عن امتيازاتها بسهولة.









