إسرائيل تُعد آلاف الملاجئ والمستشفيات تحسباً لمواجهة مع إيران
تشهد إسرائيل حالياً حالة استنفار قصوى تشمل إعداد أكثر من عشرة آلاف ملجأ عام وتجهيز المستشفيات للعمل تحت الأرض، وذلك في إطار استعداداتها لاحتمالية اندلاع مواجهة عسكرية شاملة مع إيران. وتأتي هذه التحضيرات وسط تصاعد التوترات الإقليمية وتقارير استخباراتية أمريكية تشير إلى أن القوات الإسرائيلية في حالة تأهب عالية يمكنها الهجوم بإخطار سبع ساعات فقط.
الاستعدادات العسكرية والتخطيط الاستراتيجي
كشفت صحيفة “معاريف” العبرية عن عقد الوزارات الإسرائيلية اجتماعات سرية مؤخراً لبحث الاستعداد لاحتمالية شن هجوم على إيران أو تلقي ضربة إيرانية مباشرة. وقد تضمنت هذه النقاشات السرية، التي مُنع فيها استخدام الهواتف المحمولة، تقديرات بأن أي تصعيد قد يؤدي إلى جولة قتال غير محددة المدة.
أشارت التقديرات الإسرائيلية إلى أن الاقتصاد الإسرائيلي سيتوقف بالكامل خلال الأيام الأولى من المواجهة لمدة تتراوح بين يومين وأربعة أيام، قبل أن يعود للعمل تحت نظام الطوارئ. وتنذر هذه السيناريوهات بشلل اقتصادي واجتماعي شامل قد يتطلب تدخلاً دولياً لضمان استمرارية الخدمات الأساسية.
الجاهزية العملياتية للقوات الإسرائيلية
تُظهر التقارير الاستخباراتية الأمريكية الحديثة أن إسرائيل تعد لضربة محتملة للمنشآت النووية الإيرانية، حيث تشير معلومات استخباراتية جديدة حصلت عليها الولايات المتحدة إلى أن إسرائيل تستعد لاستهداف المرافق النووية الإيرانية. وتتضمن هذه الاستعدادات نقل الذخائر الجوية وإنهاء تدريبات جوية، مما يشير إلى جاهزية عملياتية عالية للقوات الإسرائيلية.
نظام الملاجئ الإسرائيلي وخط الدفاع الأخير
يشكل نظام الملاجئ الإسرائيلي المكون من أكثر من عشرة آلاف ملجأ عام خط الدفاع الأخير في مواجهة التهديدات الإيرانية. وقد تطور هذا النظام عبر عقود، حيث بدأت المدن الإسرائيلية في بناء شبكة من الملاجئ العامة تحت الأرض منذ سبعينيات القرن الماضي لحماية السكان من القصف الجوي.
تعزز قانون إسرائيلي صادر عام 1992 متطلبات بناء ملجأ في كل مبنى جديد، وذلك عقب إطلاق العراق العشرات من قذائف “سكود” على إسرائيل عام 1991. وحالياً، يمتلك نحو 65% من الإسرائيليين غرفة في منازلهم أو شققهم تُستخدم كملجأ للحماية من القنابل، أو لديهم ملجأ في طابقهم يخدم عدة شقق، أو يعيشون بالقرب من ملجأ عام.
تصميم الملاجئ ومعايير الأمان
تُصنع الملاجئ داخل الشقق من خرسانة مسلحة وأبواب معدنية ثقيلة، وباستثناء الباب والنافذة المحصنة، لا يمكن تمييز هذه الملاجئ عن الغرف العادية. والعديد من الإسرائيليين حولوها إلى غرف نوم لأطفالهم، حتى يكونوا أكثر أماناً أثناء نومهم، مما يعكس اندماج حالة الحرب في الحياة اليومية للمجتمع الإسرائيلي.
تحضيرات المستشفيات والبنية التحتية الطبية
تشهد المستشفيات الإسرائيلية، خاصة في المناطق الشمالية، استعدادات مكثفة لمواجهة احتمالية اندلاع حرب واسعة. وقد طلبت وزارة الصحة من المستشفيات زيادة مخزون وجبات الدم لتستخدمها لمدة ستة أيام بدلاً من أربعة، وتحضير استعدادات لسيناريوهات “الظلام الدامس” و”الجزيرة المعزولة”.
مستشفيات تحت الأرض في حيفا
في مدينة حيفا، شمالي إسرائيل، مستشفى واسع تحت الأرض في مركز رامبام الطبي، يتسع لأكثر من 2000 سرير ويمكن تحويله إلى مستشفى فعال في أقل من ثلاثة أيام. وهذا المستشفى، الذي أُنشئ بعد حرب 2006 بين إسرائيل وحزب الله، جاهز للعمل منذ هجوم حماس في السابع من أكتوبر والحرب الإسرائيلية التي تلته على قطاع غزة.
أصدرت وزارة الصحة الإسرائيلية تعليمات بتجهيز المستشفيات بالوقود وأجهزة توليد الكهرباء، وإخلاء مرائب السيارات لاستخدامها كمستشفيات محصنة. كما تم تزويد مستشفيات إسرائيلية بهواتف تعمل بالأقمار الصناعية تأهباً للتعامل مع انقطاع الاتصالات.
الاستعدادات الإيرانية المقابلة
في المقابل، أعلن الجيش الإيراني تجهيز 51 من مدنه وبلداته بأنظمة دفاع مدني لإحباط أي هجوم أجنبي محتمل. وقال نائب وزير الدفاع الإيراني الجنرال مهدي فرحي إن معدات الدفاع المدني تمكن القوات المسلحة الإيرانية من تحديد ومراقبة التهديدات باستخدام برامج تعمل على مدار الساعة حسب نوع التهديد والمخاطر.
أكد قائد قوة الدفاع الجوي بالجيش الإيراني، العميد علي رضا صباحي، أن المعدات الدفاعية التي تملكها بلاده يمكنها رصد “قوات العدو” على بعد آلاف الكيلومترات خارج حدود إيران. وشدد على أن الدفاع الجوي في الجيش الإيراني يزداد نمواً يوماً بعد آخر لمواجهة مختلف أنواع التهديدات.
التصعيد الحالي والمفاوضات الدولية
تأتي هذه الاستعدادات في ظل تصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران، حيث تسعى الولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي يستبعد “الحل العسكري”، بينما تفضل إسرائيل ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو “الخيار العسكري”. وقد حذر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نتنياهو من اتخاذ “إجراءات مضادة” من شأنها تعطيل المحادثات النووية مع إيران.
التوترات الدبلوماسية
تشير مصادر أمريكية إلى أنه قد لا ينتظر نتنياهو شهرين لتوجيه ضربة لإيران، حيث أن إسرائيل تستعد لهجوم في إيران حتى بعد إبلاغ ترامب لنتنياهو معارضته للهجوم. ووفقاً لتقارير “نيويورك تايمز”، فإن الاستخبارات الأمريكية تقدر أن القوات الإسرائيلية في حالة تأهب عالية بحيث يمكن الأمر بالهجوم بإخطار 7 ساعات.
التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية المتوقعة
تشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن أي مواجهة مع إيران ستؤدي إلى شلل كامل للاقتصاد الإسرائيلي في الأيام الأولى، مما يتطلب تحضيرات لمواجهة أزمة اقتصادية كبيرة. وتشمل الاستعدادات إعداد البنية التحتية والملاجئ لمختلف الاحتياجات، ومناطق الإخلاء، وتوسيع المستشفيات، والتحضير الخاص من قبل قيادة الجبهة الداخلية.
قرر الجيش الإسرائيلي وقف الإجازات في كل الوحدات المقاتلة البرية والجوية والبحرية، وتوسيع دائرة تقليص عمل المصانع في شمال إسرائيل إلى 40 كيلومتراً من حدود لبنان. كما فتحت بلديات وسط إسرائيل الملاجئ، بما فيها تل أبيب، مما يعكس حالة القلق الشديدة التي تسود المجتمع الإسرائيلي.
الخلاصة والتوقعات المستقبلية
تكشف الاستعدادات الإسرائيلية الواسعة لإعداد آلاف الملاجئ والمستشفيات عن حالة توتر شديدة تسود المنطقة، وتوقعات بإمكانية اندلاع مواجهة عسكرية شاملة مع إيران. وتعكس هذه التحضيرات، التي تشمل أكثر من عشرة آلاف ملجأ عام وتجهيز مستشفيات تحت الأرض، الطبيعة الاستراتيجية للتهديد الإيراني كما تراه إسرائيل.
إن التوازي بين الاستعدادات الإسرائيلية والإيرانية، مع إعداد إيران لـ51 مدينة بأنظمة دفاع مدني متطورة، يشير إلى أن كلا الطرفين يستعدان لمواجهة طويلة الأمد قد تؤثر على المنطقة بأكملها. وبينما تستمر المفاوضات الدبلوماسية بوساطة عُمانية لحل الأزمة النووية الإيرانية، تتصاعد الاستعدادات العسكرية من كلا الجانبين، مما يخلق حالة من عدم الاستقرار الإقليمي.