أول مسح مستقل للوفيات بغزة يكشف استشهاد نحو 84 ألف شخص
كشف أول مسح مستقل من نوعه في قطاع غزة عن استشهاد ما يقرب من 84 ألف شخص منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى مطلع يناير/كانون الثاني 2025. وتُعد هذه الأرقام صادمة وتفوق بشكل كبير الإحصاءات الرسمية لوزارة الصحة الفلسطينية، مما يسلط الضوء على حجم الكارثة الإنسانية الحقيقية في القطاع.
المنهجية العلمية للدراسة
أُجريت الدراسة بالتعاون مع المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية (PCPSR) في رام الله، وشملت مسحاً عشوائياً لـ2000 أسرة تم اختيارها بعناية لتمثل السكان في مختلف أنحاء قطاع غزة، وصولاً إلى عينة تضم 9729 فرداً. وقد امتدت فترة جمع البيانات من 30 ديسمبر/كانون الأول 2024 إلى 5 يناير/كانون الثاني 2025.
اعتمد الباحثون على مقابلات وجهاً لوجه مع البالغين في الأسر المختارة، حيث طُلب منهم تحديد عدد أفراد الأسرة قبل بدء الحرب في 6 أكتوبر 2023، والأطفال الذين وُلدوا منذ ذلك الحين، إضافة إلى الإبلاغ عن مصير كل فرد كونه حياً أو ميتاً أو مفقوداً.
النتائج الصادمة للدراسة
إجمالي الوفيات
قدّرت الدراسة أن نحو 75,200 شخص استُشهدوا نتيجة الاستهداف المباشر والقصف والهجمات العسكرية الإسرائيلية، في حين تُوفي نحو 8,540 شخصاً بسبب أسباب غير عنيفة مرتبطة بالحرب، مثل انعدام الرعاية الصحية وسوء التغذية وفقدان المأوى، ليصل إجمالي الوفيات إلى حوالي 84 ألف شخص.
التركيبة الديموغرافية للضحايا
أظهرت النتائج أن أكثر من نصف الضحايا (56.2%) كانوا من النساء والأطفال وكبار السن الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاماً، مما يسلط الضوء على الطابع المدني للضحايا والطبيعة العشوائية للهجمات الإسرائيلية.
مقارنة مع الإحصاءات الرسمية
تشير أحدث إحصاءات وزارة الصحة الفلسطينية (حتى 25 يونيو 2025) إلى استشهاد 56,200 شخص. ومع ذلك، تؤكد الوزارة باستمرار أن الأعداد المعلنة تشمل فقط من وصلوا إلى مستشفيات القطاع، وأن هناك أعداداً أخرى من الضحايا تحت الأنقاض وفي الطرقات لا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم.
اتساق النتائج مع دراسات سابقة
تتماشى نتائج هذه الدراسة مع دراسة أخرى نُشرت في مجلة>The Lancet” في يناير 2025، والتي أجرتها كلية لندن للصحة والطب الاستوائي. قدّرت تلك الدراسة عدد الوفيات الناجمة عن الإصابات المؤلمة في غزة بـ64,260 حالة خلال الأشهر التسعة الأولى من الحرب، وهو رقم يزيد بنحو 41% عن الأرقام الرسمية لوزارة الصحة الفلسطينية لنفس الفترة.
التحديات المنهجية والعلمية
أُجريت الدراسة في ظروف استثنائية من العنف والنزوح والحصار، مما جعل العمل الميداني يمثل تحدياً هائلاً. ووصف الخبراء قدرة الفريق على إجراء مثل هذا المسح التفصيلي وسط الصراع المستمر بأنها “إنجاز استثنائي”.
الآثار غير المباشرة للحرب
تُعد إحصائية الوفيات غير العنيفة البالغة 8,540 حالة من أهم النتائج المبتكرة للدراسة، حيث تمثل المرة الأولى التي يتم فيها تقدير الوفيات غير المباشرة في الحرب على غزة بشكل علمي دقيق. وشملت هذه الوفيات حالات الوفاة بسبب الأمراض والجوع وانهيار النظام الصحي.
الأبعاد القانونية والسياسية
تأتي هذه النتائج في وقت تواجه فيه إسرائيل تحقيقاً في الإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية، وتزيد من الضغوط الدولية للمساءلة. وأكد الباحثون أن عملهم “يضع الأساس للمحاسبة التاريخية الدقيقة والمساءلة”.
الدلالات
تكشف هذه الدراسة المستقلة عن أبعاد مأساوية للحرب الإسرائيلية على غزة تفوق ما كان معروفاً سابقاً. فالرقم الحقيقي للضحايا البالغ نحو 84 ألف شخص يمثل 3.6% من إجمالي سكان القطاع، أي ما يعادل واحداً من كل 28 شخصاً تقريباً.
وتسلط النتائج الضوء على الطبيعة الكارثية للحرب الإسرائيلية، حيث إن الغالبية العظمى من الضحايا هم من المدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال وكبار السن. كما تُبرز الدراسة الحاجة الملحة لتدخل دولي فعال لوقف هذه الكارثة الإنسانية ومحاسبة المسؤولين عنها.










