الولايات المتحدة تلغي تأشيرات قضاة المحكمة العليا البرازيلية بسبب “حملة اضطهاد” بولسونارو
واشنطن تفرض عقوبات دبلوماسية غير مسبوقة رداً على القيود المفروضة على الرئيس البرازيلي السابق
أعلن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو الجمعة إلغاء تأشيرات دخول الولايات المتحدة للقاضي بالمحكمة العليا البرازيلية ألكسندر دي مورايس وحلفائه وأفراد أسرهم، في خطوة دبلوماسية غير مسبوقة ردت بها واشنطن على ما وصفته بـ”حملة اضطهاد سياسية” ضد الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو.
جاء هذا الإجراء الأمريكي بعد ساعات قليلة من إصدار المحكمة العليا البرازيلية أوامر تقييدية صارمة بحق بولسونارو، تضمنت إجباره على ارتداء سوار إلكتروني للمراقبة، ومنعه من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وفرض حظر تجول ليلي عليه.
نطاق واسع للعقوبات الأمريكية
أفادت صحيفة “أو جلوبو” البرازيلية أن واشنطن ستسحب التأشيرات من سبعة قضاة إضافيين في المحكمة العليا، بالإضافة إلى القاضي دي مورايس، مما يعني أن القضاة الوحيدين في المحكمة الذين ستبقى تأشيراتهم سارية هم أندريه ميندونكا ونونس ماركيز، اللذان عينهما بولسونارو خلال رئاسته، بالإضافة إلى القاضي لويز فوكس.
وأوضح روبيو في بيان رسمي أن “الرئيس ترامب أوضح أن إدارته ستحاسب المواطنين الأجانب المسؤولين عن رقابة التعبير المحمي في الولايات المتحدة“. وأضاف أن “مطاردة القاضي ألكسندر دي مورايس السياسية الساحرة ضد جايير بولسونارو أوجدت مجمعاً للاضطهاد والرقابة واسع النطاق لدرجة أنه لا ينتهك الحقوق الأساسية للبرازيليين فحسب، بل يمتد أيضاً خارج حدود البرازيل لاستهداف الأمريكيين”.
تصعيد الخلاف الأمريكي-البرازيلي
تهديدات ترامب الجمركية
سبق هذا الإجراء تهديد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 50% على البضائع البرازيلية اعتباراً من الأول من أغسطس، مبرراً ذلك بما وصفه “مطاردة ساحرة” ضد حليفه بولسونارو. وفي رسالة وجهها ترمب إلى بولسونارو يوم الخميس، قال: “لقد رأيت المعاملة السيئة التي تتلقاها من نظام ظالم انقلب ضدك. يجب أن تنتهي هذه المحاكمة فوراً!”
رد فعل الرئيس البرازيلي لولا
رد الرئيس البرازيلي الحالي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا بحدة على التهديدات الأمريكية، واصفاً إياها بـ“الابتزاز غير المقبول”. وقال لولا في خطاب متلفز: “لن يملي أي أجنبي شروطه على هذا الرئيس“، مستخدماً مصطلح “غرينغو” للإشارة إلى ترامب. وأضاف: “البرازيل دولة ذات سيادة بمؤسسات مستقلة ولن تقبل أي شكل من أشكال الوصاية”.
خلفية القضية: محاكمة بولسونارو
الاتهامات الموجهة
يواجه بولسونارو، البالغ من العمر 70 عاماً، محاكمة في المحكمة العليا البرازيلية بتهم التآمر لشن انقلاب لمنع لولا من تولي الرئاسة في يناير 2023. وتتضمن الاتهامات الموجهة إليه وسبعة متهمين آخرين محاولة تنفيذ انقلاب، والمشاركة في منظمة إجرامية مسلحة، ومحاولات عنيفة لتفكيك الحكم الديمقراطي.
القيود المفروضة حالياً
فرضت المحكمة العليا البرازيلية قيوداً صارمة على بولسونارو تشمل:
- ارتداء سوار إلكتروني للمراقبة
- حظر التجول من السابعة مساءً حتى السادسة صباحاً في أيام الأسبوع
- البقاء في المنزل طوال عطلة نهاية الأسبوع والعطل الرسمية
- منع استخدام وسائل التواصل الاجتماعي
- منع الاتصال بالمسؤولين الأجانب أو الاقتراب من السفارات
- منع التواصل مع نجله إدواردو بولسونارو
دور إدواردو بولسونارو في الأزمة
انتقل إدواردو بولسونارو، نجل الرئيس السابق ونائب في الكونغرس البرازيلي، إلى الولايات المتحدة في مارس 2025 وأعلن أنه يسعى للحصول على اللجوء السياسي. ويواصل إدواردو، الذي يُعتبر همزة الوصل بين عائلته وإدارة ترمب، ممارسة الضغط في واشنطن لصالح والده.
الصراع حول حرية التعبير والرقابة
قضية منصة X
يُذكر أن القاضي دي مورايس كان قد أمر في أغسطس 2024 بحظر منصة X (تويتر سابقاً) في البرازيل لمدة شهر بعد رفض مالكها إيلون ماسك الامتثال لأوامر المحكمة بحذف حسابات متهمة بنشر معلومات مضللة. وقد وصف ماسك القاضي دي مورايس بأنه “قاضٍ كاذب غير منتخب يدمر حرية التعبير لأغراض سياسية”.
تداعيات الأزمة على العلاقات الثنائية
التأثير الاقتصادي المحتمل
تهدد الرسوم الجمركية الأمريكية المقترحة بنسبة 50% بإلحاق ضرر كبير بالصناعات البرازيلية الرئيسية، بما في ذلك زراعة القهوة وتربية الماشية والطيران. ومن المفارقات أن الولايات المتحدة تحتفظ بفائض تجاري مع البرازيل بلغ 6.8 مليار دولار العام الماضي، مما يعني أن الرسوم الجمركية البرازيلية المضادة قد تضر بالصناعات الأمريكية.
انقسام في النخبة البرازيلية
أدت التطورات الأخيرة إلى انقسام في النخبة البرازيلية، حيث بدأ زعماء الأعمال الذين كانوا يدعمون بولسونارو سابقاً في السعي للتفاوض مع لولا للتفاوض مع ترمب. كما اتحد قطاع الأعمال الزراعية، وهو المنطقة الاقتصادية الأكبر في البرازيل والمعقل التقليدي للسياسة اليمينية، في معارضة إجراءات الرئيس الأمريكي.
التطورات المستقبلية المتوقعة
موعد المحاكمة النهائية
من المتوقع أن تقرر لجنة من خمسة قضاة في المحكمة العليا البرازيلية، بما في ذلك القاضي دي مورايس، مصير بولسونارو بعد تقديم الدفاع لحججه الختامية. وإذا أدين، قد يواجه بولسونارو عقوبة بالسجن تصل إلى 40 عاماً.
مفاوضات التجارة
وضع لولا موعداً نهائياً في الأول من أغسطس للتوصل إلى اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة، مهدداً بتطبيق قانون المعاملة بالمثل إذا فشلت المفاوضات. وقال لولا: “إذا فرضوا رسوماً جمركية بنسبة 50% علينا، فسنفرض 50% عليهم”.
تشكل هذه الأزمة الدبلوماسية اختباراً حقيقياً للعلاقات بين أكبر دولتين في نصف الكرة الغربي، وقد تضع سابقة خطيرة لكيفية تعامل الإدارات الأمريكية المستقبلية مع القضايا القضائية في دول أخرى. كما تسلط الضوء على التوتر المتزايد حول قضايا حرية التعبير والرقابة في العصر الرقمي.










