وسط تصاعد التوترات على الحدود الجنوبية وتصاعد الضغط الدولي، برزت مواقف حادة للمبعوث الأمريكي الخاص إلى لبنان وسوريا، توماس باراك، الذي أعاد ملف نزع سلاح “حزب الله” إلى صدارة المشهد السياسي اللبناني، محذرا من أن مصداقية الحكومة اللبنانية باتت على المحك، ما لم تترجم أقوالها إلى خطوات عملية.
باراك: لا يكفي الكلام
في سلسلة منشورات على منصة “إكس”، قال باراك إن “الكلمات لم تعد كافية”، في إشارة إلى تصريحات الرئيس اللبناني جوزاف عون الذي تحدث قبل أيام عن أن المفاوضات مع “حزب الله” بشأن سلاحه “تتقدم، وإن كان ببطء”. وأرفق باراك تصريحاته بمقال من صحيفة الشرق الأوسط، معتبرا أن “حصر السلاح بيد الدولة ليس مجرد شعار، بل مسؤولية دستورية يجب تنفيذها فورا”.
وحذر باراك من استمرار ما وصفه بـ”الوضع القائم”، قائلا: “ما دام حزب الله يحمل السلاح، فإن الشعب اللبناني سيبقى رهينة واقع غير مستقر”. ودعا الحكومة و”حزب الله” إلى التحرك الفوري، معتبرا أن الجدول الزمني لتنفيذ عملية حصر السلاح “لا يمكن أن يكون طويلا”.
عون: لا تراجع عن مبدأ الدولة
في المقابل، حاول الرئيس اللبناني جوزاف عون التخفيف من حدة التصعيد، مجددا التأكيد أن “لا تراجع” عن مبدأ “حصرية السلاح بيد الدولة”، لكنه شدد في الوقت نفسه على ضرورة التعامل مع الملف بـ”روية” تحفظ وحدة البلاد، وتمنع انزلاق لبنان نحو العنف أو الانقسام الأهلي.
وخلال زيارته إلى البحرين، أشار عون إلى أن إسرائيل لا تزال تتنصل من تنفيذ اتفاق 26 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، وتواصل اعتداءاتها على الأراضي اللبنانية، متهما تل أبيب بعدم الالتزام بالقرار 1701، خلافا للبنان الذي التزم بنشر الجيش جنوب نهر الليطاني.
عون أبدى أيضا استغرابه من تداول الحديث عن وجود “لجنة أمنية” بين الجيش و”حزب الله”، مؤكدا أن الاتصالات تجري بشكل مباشر بينه وبين قيادة الحزب، مع تسجيل “تجاوب أولي” حول بعض الطروحات. وقال: “المفاوضات بطيئة، لكنها قائمة، ولا أحد يرغب في الحرب أو يتحمل نتائجها”.
“حزب الله”: لا شأن لنا بالورقة الأمريكية
من جهته، أعلن “حزب الله” أنه غير معني بالورقة التي حملها باراك إلى بيروت، مشددا على أن الحزب يلتزم فقط بالقرار الدولي 1701، في ظل استمرار التوتر الميداني على الحدود، وتصاعد عمليات الاغتيال والقصف الإسرائيلي. وقد عبرت قرى حدودية عن سخطها من استمرار التصعيد، ملوحة بخطوات “لحماية أنفسنا وأرضنا”، وفق ما نقلته الشرق الأوسط.
الولايات المتحدة: لا تفرقة بين جناحي الحزب
وفي تصريح لافت، أكد باراك أن الولايات المتحدة “لا تميز بين الجناحين السياسي والعسكري لحزب الله”، وتعتبر الحزب “منظمة إرهابية أجنبية”، على حد وصفه. وقال إن واشنطن مستعدة لدعم الدولة اللبنانية، فقط إذا التزمت فعليا بتطبيق حصرية السلاح، معتبرا القوات المسلحة اللبنانية الجهة الشرعية الوحيدة المخولة بالعمل العسكري داخل البلاد.
وأكد أن الهدف النهائي للسياسة الأمريكية في لبنان هو “بناء دولة قوية قادرة على مواجهة حزب الله ونزع سلاحه”، مشيرا إلى أن مسؤولية معالجة هذا الملف تقع أولا وأخيرا على الحكومة اللبنانية.
قراءة في المشهد
التحذيرات الأمريكية تضع الحكومة اللبنانية أمام اختبار صعب، بين الضغوط الخارجية لتطبيق سريع لمبدأ “حصرية السلاح”، والحاجة الداخلية لإدارة الملف بحذر شديد لتجنب انفجار أمني أو سياسي.
وفي ظل غياب أي مؤشرات على تسوية قريبة، يبدو أن ملف سلاح “حزب الله” سيبقى عنوانا أساسيا في المرحلة المقبلة، وسط شكوك محلية ودولية حول قدرة الدولة اللبنانية على حسم هذا التحدي المعقد دون توافق داخلي ودعم خارجي فعال.










