في مشهد مهيب ومشحون بالرمزية السياسية والتاريخية، أحيت العاصمة المصرية القاهرة اليوم الذكرى السنوية الـ45 لوفاة شاه إيران الأسبق محمد رضا بهلوي، بمراسم تأبينية حضرتها الملكة فرح بهلوي، أرملة الشاه، إلى جانب مئات من الإيرانيين المعارضين للنظام الحاكم في طهران، والذين توافدوا من مختلف أنحاء العالم للمشاركة في المناسبة.
زيارة إلى صديق المنفى
انطلقت المراسم صباح الأحد بزيارة الملكة فرح إلى ضريح الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات في مدينة نصر، في تقليد بات راسخا في كل عام، يكرس العلاقة الوثيقة التي جمعت بين السادات والشاه خلال سنوات منفى الأخير في مصر.
واعتبرت فرح هذا اللقاء السنوي بمثابة وفاء لصداقة امتدت في زمن الاضطراب السياسي، عندما استضاف السادات الشاه بعد الإطاحة به في الثورة الإيرانية عام 1979.
عند ضريح الشاه
وفي وقت لاحق، توجهت الملكة برفقة الحضور الإيراني إلى مسجد الرفاعي، حيث يرقد جثمان محمد رضا بهلوي، في مراسم دينية تم خلالها تلاوة الفاتحة والصلوات، إلى جانب كلمات تأبينية عبرت عن الحنين إلى “إيران ما قبل الثورة”.
وفي كلمة مؤثرة ألقتها أمام الحضور، قالت فرح بهلوي: “لقد مر خمسة وأربعون عاما على رحيلك، أيها الشاهنشاه، ودفنت في التراب. وقد تجلى شرفك الذي لا يضاهى في تخليك عنه في أوج قوتك، لأنك لم ترد أن يبنى عرشك على الدماء… بعدك جاء الظلم، وساد الخراب، وتحولت أرض إيران إلى ساحة حرب ومأساة لشعبها”.
وأضافت:”يا ملك إيران، رغم الأكاذيب والكراهية التي نسجت ضد الملكية البهلوية، لا يزال الإيرانيون الأحرار يأتون إليك، يرفعون اسمك وذكراك، ويحملونك في قلوبهم كرمز وطني خالد”.

الرسالة السياسية: دعم المعارضة من المنفى
الاحتفال بذكرى وفاة الشاه تزامن هذا العام مع تصاعد نشاطات الجالية الإيرانية المعارضة في الخارج. فقد وجهت الملكة فرح، السبت، رسالة دعم للمشاركين في “المؤتمر الوطني لإنقاذ إيران” الذي نظمه نجل الشاه، الأمير رضا بهلوي، في مدينة ميونيخ الألمانية، وجاء فيها: “إن تضحياتكم وتفانيكم من أجل الحرية والحقوق المفقودة تستحق التقدير… أنا أدعمكم والثورة الوطنية الإيرانية”.
تعد هذه الرسالة، إلى جانب مشاركة المئات في مراسم التأبين بالقاهرة، إشارة واضحة إلى تنامي الحراك الملكي والمعارض في الشتات الإيراني، في ظل تزايد التوترات داخل إيران وازدياد الانتقادات للقيادة الحالية.

دلالات رمزية في وجه المفارقات التاريخية
لم تغب المفارقات عن هذا الحدث الرمزي. فقد شهد ضريح السادات، الذي اغتيل في 1981 على يد خالد الإسلامبولي – أحد من كرمتهم الجمهورية الإسلامية لاحقا – لقاء مؤثرا بين الماضي المنفي والحاضر المتشظي، حيث أكدت فرح بهلوي أنها ستظل “تكرم ذكرى الصديق القديم”، في إشارة إلى السادات الذي فتح لمنفاهما أبواب القاهرة، بينما كانت دول العالم تغلقها تباعا.
قبر لا يخبو.. وذاكرة لا تنسى
رغم مرور عقود على وفاته، لا يزال قبر الشاه في مسجد الرفاعي يشكل مزارا سياسيا بامتياز، ليس فقط لأنه يضم رفات آخر ملوك إيران، بل لأنه بات رمزا للمرحلة التي سبقت نظام الجمهورية الإسلامية، ولأمل الإيرانيين المعارضين في “استعادة إيران التي فقدوها”.

في هذه الذكرى، لم يكن الحاضرون مجرد مشيعين لملك راحل، بل حملة ذاكرة ورغبة في التغيير، متطلعين إلى مستقبل لا يبنى من أنقاض الماضي، بل من استحضار معانيه بوعي جديد.









