الصين تواجه أكبر تفش لفيروس “شيكونغونيا” في تاريخها
سجّلت الصين أكثر من 7 آلاف إصابة مؤكدة بفيروس “شيكونغونيا” حتى يوم الأربعاء، معظمها في مدينة فوشان بمقاطعة غوانغدونغ الجنوبية، في أكبر تفش للفيروس منذ ظهوره في البلاد لأول مرة في عام 2008. وأعلنت السلطات الصحية المحلية حالة الطوارئ الصحية من المستوى الثالث في مدينة فوشان، وهو المستوى الثالث من بين أربعة مستويات للاستجابة للطوارئ في النظام الصيني.
يُعد هذا التفش استثنائياً لعدة أسباب، كما أوضح الدكتور سيزار لوبيز-كاماتشو من جامعة أوكسفورد، أن “ما يجعل هذا الحدث ملفتاً هو أن فيروس شيكونغونيا لم يكن ثابت الوجود في برّ الصين من قبل، مما يعني أن معظم السكان يفتقرون إلى المناعة المسبقة، الأمر الذي سهّل انتشار الفيروس بسرعة“.
الإجراءات الصينية المشددة تستدعي ذكريات كوفيد-19
تبنّت السلطات الصينية استراتيجية شاملة لمكافحة انتشار الفيروس، تشمل إجراءات تذكّر بأسلوب التعامل مع جائحة كوفيد-19. أُلزم المرضى بالبقاء في المستشفيات لمدة أسبوع كامل كحد أدنى، مع وضع أسرّتهم تحت الناموسيات المضادة للبعوض لمنع انتقال العدوى.
استراتيجيات مبتكرة لمكافحة البعوض
استعانت السلطات بوسائل غير تقليدية لمحاربة البعوض الناقل للفيروس، منها:
- إطلاق “بعوض الفيل” العملاق الذي يفترس البعوض الأصغر حجماً الحامل للفيروس
- نشر أسماك آكلة يرقات البعوض في البحيرات والمسطحات المائية، حيث أطلقت فوشان 5000 سمكة في بحيراتها المحلية
- استخدام طائرات بدون طيار لتحديد مواقع المياه الراكدة وأماكن تكاثر البعوض
- رش المبيدات الحشرية في الشوارع والأحياء السكنية ومواقع البناء
عقوبات صارمة للمخالفين
فرضت السلطات غرامات تصل إلى 10 آلاف يوان (حوالي 1400 دولار) على المواطنين الذين لا يزيلون المياه الراكدة من منازلهم. كما هدّدت بقطع التيار الكهربائي عن المخالفين، وبالفعل انقطعت الكهرباء عن خمسة منازل على الأقل بسبب عدم التعاون مع عمليات التفتيش الرسمية.
ما هو فيروس “شيكونغونيا”؟
التعريف والأصول
فيروس “شيكونغونيا” هو مرض فيروسي ينتقل عبر لدغات البعوض المصاب، تم اكتشافه لأول مرة في تنزانيا عام 1952. يشتق اسم “شيكونغونيا” من كلمة في لغة كيماكوندي تعني “أن يصبح الشيء ملتوياً”، في إشارة إلى الوضع المنحني للمصابين بسبب آلام المفاصل الشديدة.
الأعراض الرئيسية
تظهر أعراض المرض عادة خلال 4 إلى 8 أيام من التعرض للدغة البعوض المصاب، وتشمل:
- حمى شديدة مفاجئة
- آلام شديدة في المفاصل قد تستمر لأسابيع أو أشهر أو حتى سنوات
- آلام العضلات والصداع
- التعب والإرهاق
- طفح جلدي
- الغثيان والتقيؤ
الفئات الأكثر عرضة للخطر
يكون المواليد الجدد وكبار السن والأشخاص المصابون بأمراض مزمنة أكثر عرضة لمضاعفات شديدة، رغم أن معدل الوفيات نادر جداً ويقدر بأقل من 1%.
الانتشار العالمي يثير القلق
تحذيرات منظمة الصحة العالمية
في 22 يوليو 2025، دعت منظمة الصحة العالمية إلى اتخاذ تدابير وقائية عاجلة لمنع تفش واسع النطاق لفيروس شيكونغونيا. وأشارت الدكتورة ديانا روخاس ألفاريز، رئيسة فريق الأمراض الفيروسية المنقولة بالحشرات في المنظمة، إلى أن “الاتجاه نفسه الذي حدث في 2004-2005 بدأ يتكرر الآن”، عندما أصاب الفيروس نحو نصف مليون شخص عالمياً.
الأرقام العالمية المقلقة
وفقاً للمركز الأوروبي للوقاية من الأمراض والسيطرة عليها، سُجل حوالي 240 ألف حالة إصابة بفيروس شيكونغونيا و90 وفاة في 16 دولة منذ بداية 2025. وتُعد دول أميركا الجنوبية الأكثر تضرراً، مع البرازيل في المقدمة بـ185,553 حالة.
العوامل المساهمة في انتشار الفيروس
الظروف المناخية
يعزو الخبراء تسارع انتشار الفيروس إلى الأمطار الغزيرة ودرجات الحرارة المرتفعة في الصين هذا العام، مما خلق بيئة مثالية لتكاثر البعوض. فقد شهدت مقاطعة غوانغدونغ أمطاراً كانت الأغزر منذ عام 1884 في أغسطس 2025.
غياب المناعة الطبيعية
كما أشار الخبراء، فإن عدم تعرض السكان الصينيين مسبقاً لهذا الفيروس جعل المجتمع أكثر عرضة للإصابة السريعة والواسعة النطاق.
العلاج والوقاية
العلاج المتاح
لا يوجد علاج محدد مضاد للفيروسات لعدوى شيكونغونيا حالياً. يركز العلاج على تخفيف الأعراض ويشمل:
- الحصول على الراحة الكافية
- شرب كميات كبيرة من السوائل لمنع الجفاف
- استخدام الباراسيتامول أو الأسيتامينوفين لتخفيف الألم والحمى
- تجنب الأسبرين والأدوية المضادة للالتهاب غير الستيرويدية لتفادي خطر النزيف
الوقاية الأساسية
أفضل طريقة للوقاية هي تجنب لدغات البعوض من خلال:
- استخدام طارد الحشرات المحتوي على DEET
- ارتداء الملابس الطويلة الأكمام والسراويل
- البقاء في أماكن مكيفة أو بها شاشات واقية
- إزالة المياه الراكدة من الحاويات والأواني
- استخدام الناموسيات المعالجة بالمبيدات
التطلعات المستقبلية والدروس المستفادة
يمثل تفش فيروس “شيكونغونيا” في الصين أكبر تحدٍ صحي من نوعه في تاريخ البلاد، مع تسجيل أكثر من 7 آلاف إصابة في فترة قصيرة. رغم أن الفيروس نادراً ما يكون قاتلاً، فإن قدرته على التسبب في آلام مزمنة طويلة المدى والانتشار السريع في المجتمعات غير المحصنة يجعله تهديداً صحياً جدياً.
تُظهر الاستجابة الصينية الشاملة، التي تجمع بين التدابير التقليدية والحلول المبتكرة، التزام البلاد بمنع تكرار سيناريوهات الأوبئة السابقة. ومع ذلك، فإن الانتشار العالمي للفيروس يتطلب تنسيقاً دولياً أوسع وتعزيز أنظمة الترصد والاستعداد في جميع المناطق المعرضة للخطر.










