في خطوة تاريخية، أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد رسمياً افتتاح سد النهضة، أكبر مشروع للطاقة الكهرومائية في إفريقيا، الذي استغرق بناؤه أكثر من أربعة عشر عاماً على نهر النيل الأزرق. جاء هذا الإعلان وسط حضور رسمي لعدد من رؤساء الدول الأفريقية ووفود منظمات إقليمية ودولية، ليشكل بداية فصل جديد في ملف سد النهضة الذي ظل محور جدل سياسي وإقليمي بين إثيوبيا ودولتي المصب مصر والسودان.
يعد سد النهضة مشروعاً ضخماً لإنتاج الطاقة، حيث يُتوقع أن يولد نحو خمسة عشر ألف غيغاواط/ساعة من الكهرباء سنوياً، بوفر إيرادات سنوية تقدر بمليار دولار أمريكي. ويتضمن السد بحيرة صناعية تمتد على مساحة تقترب من 2000 كيلومتر مربع وتخزن حوالي 74 مليار متر مكعب من المياه، وهو ما يضعه في مقدمة مشاريع التنمية الكبرى في المنطقة.
المشروع الذي طال انتظاره يعتبر حجر الزاوية في خطط إثيوبيا لتعزيز التنمية الاقتصادية وتحقيق الاكتفاء الذاتي في الطاقة، إضافة إلى تصدير فائض الكهرباء للدول المجاورة، لا سيما السودان. ويقول مدير المشروع إن السد تم تصميمه لحماية مصالح الدول الثلاث، مؤكداً أن التنمية الإثيوبية لن تمس حقوق مصر والسودان المائية.
لكن انعقاد حفل التدشين الرسمي لم ينهِ الخلافات، حيث تواصل مصر والسودان رفضهما للتشغيل الكامل للسد دون اتفاق ملزم يضمن حماية حصتيهما من مياه النيل. مصر، التي تعتمد بنسبة كبيرة على مياه النيل في الزراعة والشرب، تصف السد بأنه “تهديد وجودي”، وقد طالبت أكثر من مرة بتوقيع اتفاق قانوني يحدد إجراءات الملء والتشغيل مع ضمانات للحفاظ على حقوقها.
في المقابل، تصر إثيوبيا على حقها في استغلال مواردها المائية لتحقيق التنمية، وتؤكد أن السد سيقلل التبخر في بحيرة ناصر مما يعزز تدفق المياه إلى مصر، وتنظر إلى المشروع كفرصة لتطوير المنطقة وتحسين حياة شعوبها.
السودان تبنى موقف وسطي نسبياً إذ يرحب ببعض فوائد السد التنموية لكنه يعرب عن قلقه من تأثيرات بعض فترات الملء الأولية على تدفق المياه، ما دفع الدول الثلاث إلى عقد جولات تفاوضية متقطعة دون التوصل لحل شامل حتى الآن.
الافتتاح الرسمي أشاد به العديد من القادة الأفارقة كشهد على تقدم أديس أبابا وتقدم إفريقيا في مجال الطاقة، معتبرين أن المشروع يمثل إنجازاً تاريخياً يُعزز مكانة إثيوبيا على الساحة القارية والدولية.
ومع ذلك، فإن غياب الاتفاق القانوني الملزم يشكل تحدياً كبيراً نحو استقرار المنطقة، خاصة مع بدء التشغيل الفعلي للسد الذي قد يعيد تشكيل التوازن المائي في حوض النيل الأزرق، وقد يتسبب في توترات جديدة إذا ما حدثت أي أزمات مائية خلال سنوات الملء والتشغيل الأولى.
على المستوى الاقتصادي، يتوقع أن يُحدث السد نقلة نوعية في توفير الكهرباء، خصوصًا في مناطق إثيوبيا النائية التي تعاني من نقص في الطاقة، كما يمكن أن يعزز فرص الاستثمار والسياحة حول البحيرة الضخمة التي خلفها السد.
كما تشرف إثيوبيا على تنفيذ مشاريع مكملة للسد تشمل مشاريع أسماك وزراعة، وتطوير البنية التحتية للطاقة بهدف الاستفادة القصوى من موارد النيل الأزرق.
في السياق الدولي، جرى دعوة منظمات وهيئات دولية للعب دور مراقب ووسيط في المفاوضات المستقبلية بين الدول الثلاث، لضمان التزام الجميع بتنفيذ التفاهمات المستقبلية، مع الحفاظ على السلم والأمن الإقليمي.
إن ملف سد النهضة يظل من أبرز الملفات الحساسة في العلاقات الأفريقية والمنطقة العربية، ويحتل مكانة استراتيجية لا يمكن الاستهانة بها، ما يتطلب حواراً بناءً وتعاوناً إقليمياً يوازن بين التنمية وحقوق الدول.











