لم تمضِ أيام على إعلان اتفاق السلام الذي وقّع في شرم الشيخ برعاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حتى بدأت تتكشّف ملامح انحراف خطير في تطبيق بنوده.
فبينما التزمت حركة حماس – بحسب مصادر دبلوماسية – بتنفيذ الاتفاق نصًا وروحًا، وأفرجت عن جميع الرهائن وفق ما تم الاتفاق عليه، تشير تقارير متعددة إلى انتهاكات إسرائيلية واضحة تعكس أن الهدف من الاتفاق كان مرحليًا ومحدودًا باستعادة الأسرى فحسب.
هذه التطورات تطرح علامات استفهام حول مفهوم الضمان الدولي الذي رافق توقيع الاتفاق، بعد أن حضره قادة من أوروبا والعالم الإسلامي والولايات المتحدة. فهل كانت تلك الضمانات مجرد مشهد بروتوكولي؟ أم أن الأطراف الراعية مستعدة لتحمل مسؤولياتها الأخلاقية والسياسية أمام هذا الانحراف الصارخ؟
في الوقت نفسه، خرجت باكستان ببيان شديد اللهجة أدانت فيه التصعيد العسكري الإسرائيلي في غزة، معتبرة أنه انتهاك لروح اتفاق السلام وللقانون الدولي الإنساني. وطالبت المجتمع الدولي بالتحرك الفوري لوقف الهجمات وحماية المدنيين الفلسطينيين، مجددة تمسكها بمبدأ إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود ما قبل 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
لكن المشهد الميداني يقول إن الواقع على الأرض يسير في اتجاه مغاير تمامًا، فحماس التي التزمت بالاتفاق فقدت أوراق ضغطها بالكامل بعد الإفراج عن الرهائن، لتجد نفسها في مواجهة طرف يملك القوة العسكرية والسياسية ويبدو أنه لا يرى في السلام سوى هدنة مؤقتة.
في المقابل، تتصاعد موجة الغضب الشعبي عالميًا ضد السياسات الإسرائيلية، إذ شهدت مدن كبرى حول العالم مظاهرات تضامنية مع الفلسطينيين، ودعوات صريحة لفرض عقوبات على إسرائيل وإحالة الانتهاكات المتكررة إلى القضاء الدولي.
ويرى مراقبون أن الأزمة تجاوزت حدود غزة لتتحول إلى اختبار أخلاقي للنظام الدولي بأكمله: هل يبقى العالم صامتًا أمام انتهاك اتفاق أبرم برعاية دولية؟ أم أن الصمت يعني شراكة ضمنية في تقويض فرص السلام وشرعية القانون الدولي؟
إن استمرار التصعيد في ظل غياب إرادة سياسية حقيقية يهدد بانهيار ما تبقى من الثقة بين الأطراف، ويفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الاضطراب الإقليمي قد تمتد آثارها إلى ما وراء حدود الشرق الأوسط.
ويبقى السؤال الحاسم:
هل سيتحرك الضامنون للاتفاق لإنقاذ ما تبقى من “السلام”، أم أننا أمام مشهد متكرر من اتفاقات تُوقّع أمام الكاميرات… وتُدفن في الميدان؟










