السلطات اليونانية تعزز الأمن في موانئ باتراس وكاتاكولو بعد مظاهرات غاضبة ضد سفينة سياحية إسرائيلية، وسط تصاعد الغضب الشعبي من حرب غزة، وقلق رسمي من تأثير الاحتجاجات على العلاقات الاستراتيجية بين أثينا وتل أبيب
رفعت السلطات اليونانية مستوى التأهب الأمني في ميناءي باتراس وكاتاكولو جنوب البلاد، عقب احتجاجات اندلعت هذا الأسبوع ضد سفينة سياحية إسرائيلية تجوب البحر المتوسط في رحلة تستمر 11 يومًا.
الاحتياطات جاءت بعد تظاهرات غاضبة شهدها ميناء كالاماتا حين رست فيه السفينة MS Crown Iris التي تقل مئات السياح الإسرائيليين. وكان مشهدًا مشابهًا قد وقع في يوليو الماضي عندما أجبر المحتجون السفينة ذاتها على تغيير مسارها والتوجه إلى قبرص، بعد أن منعها سكان جزيرة سيروس من إنزال ركابها تضامنًا مع الشعب الفلسطيني.
تقول كريستينا لادا، وهي معلمة شاركت في تظاهرات كالاماتا:
“لم نستطع الصمت أمام ما تفعله إسرائيل في غزة منذ وقف إطلاق النار في 10 أكتوبر. فالهجمات لم تتوقف، والضحايا من المدنيين الأبرياء ما زالوا يسقطون.”
من على متن السفينة، كان الركاب يشاهدون المشهد من خلف النوافذ بينما ردد المحتجون عبارات مثل:
“أنتم تحتاجون الشرطة لحمايتكم، لستم مرحبًا بكم في اليونان.”
أما الناشط ياني سيفاناكيس، أحد منظمي التظاهرات المناهضة للحرب في أنحاء اليونان، فقال:
“الإسرائيليون الذين يدعمون أفعال حكومتهم ليسوا موضع ترحيب هنا.”
وأضاف أن الغضب الشعبي يتغذى على الشعور بالتقارب الجغرافي والثقافي بين اليونان والمنطقة العربية، قائلاً إن “اليونان ترى البحر المتوسط بيتًا مشتركًا، وما يحدث في غزة يمس ضميرنا الإنساني.”
من جانبه، قال الخبير في العلاقات الدولية كونستانتين فيليس، مدير معهد الشؤون العالمية في أثينا:
“بسبب القرب الجغرافي والعلاقات التاريخية مع العالم العربي، يتفاعل اليوناني العادي مع معاناة غزة أكثر من المواطن في وسط أو شمال أوروبا. لكن في الوقت نفسه، أصبحت إسرائيل حليفًا استراتيجيًا لا يمكن لأثينا التفريط به.”
بين التعاطف الشعبي والموقف السياسي
الاحتجاجات وضعت حكومة كيرياكوس ميتسوتاكيس اليمينية في موقف حرج، خصوصًا مع تصاعد الانتقادات التي وصفت بعض التظاهرات بأنها “معادية للسامية”. ومع ذلك، يرى محللون أن الغضب الشعبي نابع من دوافع سياسية وإنسانية لا دينية.
أكثر من 600 ألف إسرائيلي زاروا اليونان في عام 2024، وسط توقعات بزيادة العدد هذا العام، ما يعكس التحسن الكبير في العلاقات الثنائية منذ ثمانينيات القرن الماضي حين كانت أثينا تتبنى موقفًا مؤيدًا بشدة للفلسطينيين.
ورغم أن اليونان كانت آخر عاصمة أوروبية تعترف رسميًا بإسرائيل – في خطوة أقدم عليها والد رئيس الوزراء الحالي قبل 35 عامًا – فإن العلاقات بين البلدين شهدت منذ عام 2010 تقاربًا غير مسبوق في مجالات الطاقة والدفاع والدبلوماسية، جعل إسرائيل شريكًا محوريًا في موازنة النفوذ التركي في شرق المتوسط، فضلًا عن كونها بوابة لأثينا نحو واشنطن.
لكن فيليس شدد على أن “اليونان لا تستطيع المخاطرة بعلاقتها مع إسرائيل، لكنها في المقابل مطالبة بأن تكون أكثر توازنًا وإنصافًا في مواقفها تجاه ما يجري في غزة.”
مخاوف إسرائيلية من تصاعد الغضب الشعبي
في أغسطس الماضي، حذّرت وزارة الخارجية الإسرائيلية مواطنيها من “إظهار هويتهم الإسرائيلية علنًا” أثناء وجودهم في اليونان، فيما وصفت وسائل إعلام عبرية أثينا بأنها “جنة ضائعة” بعد تزايد الشعارات المناهضة لإسرائيل على جدران العاصمة.
واتهم السفير الإسرائيلي في اليونان نوعام كاتس، عمدة أثينا بعدم التحرك لإزالة “الكتابات المعادية للسامية” التي تنفذها مجموعات يسارية متطرفة.
وقال فيكتور إلييزر، الأمين العام للمجلس المركزي للطوائف اليهودية في اليونان:
“نحن قلقون. الخطاب الحالي قد ينزلق بسهولة إلى معاداة السامية، رغم أن كثيرًا من اليهود في اليونان وإسرائيل يرفضون السياسات المتطرفة لحكومة تل أبيب.”
الاحتجاجات تتسع وتستهدف التعاون العسكري
في تصعيد جديد، تظاهر نحو 5 آلاف شخص في جزيرة كريت للمطالبة بإغلاق قاعدة سودا باي البحرية، التابعة لحلف الناتو، والتي تُستخدم منذ اندلاع حرب غزة كمحطة إمداد رئيسية للسفن والطائرات الأمريكية المتجهة إلى إسرائيل.
وقال بيتروس قسطنطينو، منسق الحركة المناهضة للعنصرية في اليونان (Keerfa):
“حققنا انتصارات، لكن معركتنا الكبرى الآن هي إنهاء كل أشكال التعاون مع إسرائيل.”










