إطلاق سراح بدر المشاري وتطورات الاعتقالات في السعودية
سلط قرار السلطات السعودية بالإفراج عن الداعية الإسلامي المعروف، بدر المشاري، الضوء مجددًا على قضية الاعتقالات التي استهدفت العديد من رجال الدين في المملكة، خاصة منذ تولي الأمير محمد بن سلمان منصب ولي العهد في 2017. وكانَت مصادر مقربة من المشاري قد أكدت يوم الخميس الماضي خبر إطلاق سراحه بعد قضائه أكثر من عام في السجن، فيما تجاهلت وسائل الإعلام المحلية التطرق إلى الحدث.
الاعتقال في ظروف غامضة
وفقًا للموقع الرسمي لـ “لجنة الولايات المتحدة للحرية الدينية الدولية”، وهي منظمة حكومية أمريكية مستقلة، فقد تم اعتقال المشاري في يوليو 2023 “في ظروف غامضة ولأسباب غير واضحة”. وقد أشار الموقع إلى أن المشاري كان قد وجه انتقادات للهيئة العامة للترفيه السعودية، برئاسة المستشار تركي آل الشيخ، بسبب رعايتها للفعاليات والحفلات التي اعتبرها تتعارض مع الأعراف الدينية والثقافية في السعودية. وأضاف الموقع أن العديد من رجال الدين الذين انتقدوا الهيئة العامة للترفيه تم اعتقالهم في السنوات الأخيرة.
إجراءات الإصلاح وقيود المعارضة الدينية
منذ أن تولى الأمير محمد بن سلمان منصب ولاية العهد في 2017، بدأ في قيادة تحولات اقتصادية واجتماعية واسعة في السعودية، شملت تطبيق خطة إصلاح اقتصادي تهدف إلى تقليل الاعتماد على النفط وتنمية قطاعات جديدة مثل الترفيه والسياحة. لكن هذه التغييرات قوبلت بمعارضة من بعض رجال الدين، الذين عبروا عن انتقاداتهم للأثر الاجتماعي والثقافي لهذه الإصلاحات. وفي عام 2017، أكدت مجلة “فورين أفيرز” أن بن سلمان قد أبلغ بعض الباحثين بأن السلطات ستتخذ إجراءات عقابية ضد أي رجل دين يثير ردود فعل عنيفة ضد هذه الإصلاحات.
حملة الاعتقالات
على مدار السنوات الأخيرة، شنت السلطات السعودية حملة اعتقالات واسعة استهدفت عددًا من رجال الدين البارزين، كان من بينهم:
- سلمان العودة: اعتُقل في سبتمبر 2017 بعد نشره تغريدة دعا فيها إلى التقارب بين السعودية وقطر. وفي 2018، وجهت إليه السلطات 37 تهمة، منها الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين والدعوة إلى إصلاحات في الحكومة.
- عوض القرني: اعتُقل في سبتمبر 2017 ووجهت إليه تهم تتعلق بالتواصل مع جهات خارجية وحث الشباب على الانضمام إلى جماعات إرهابية. كما طالب الادعاء السعودي بإصدار عقوبة الإعدام عليه في 2023.
- علي العمري: اعتُقل في نفس الشهر وأُغلقت قناته الإعلامية “فور شباب” التي كان يديرها.
- سفر الحوالي: تعرض للاعتقال في 2018، ويُقال إنه يعاني من إعاقة كاملة وظروف سجن قاسية. الأمم المتحدة وثقت تعرضه لانتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك الإخفاء القسري والتعذيب.
- محمد موسى الشريف ومحمد صالح المنجد: اعتُقلا في سبتمبر 2017 لأسباب تتعلق بمواقف دينية ومهنية.
- عبد العزيز الفوزان وعبد الله الحامد: اعتُقل الأول في 2018 بعد تغريدات حذر فيها من موجة اعتقالات، بينما توفي الثاني في السجن بسبب الإهمال الطبي في 2020.
انتقادات حقوقية دولية
أثارت هذه الحملة الواسعة موجة من الانتقادات من قبل المنظمات الحقوقية الدولية، التي طالبت بوقف استهداف رجال الدين والمعارضين السياسيين في السعودية. واعتبرت هذه المنظمات أن الاعتقالات تمثل تقييدًا للحرية الدينية والتعبير، وتعديلاً غير مبرر على حقوق الإنسان. يبدو أن قرار الإفراج عن الداعية بدر المشاري يأتي في سياق تحولات قد تكون جزءًا من إعادة تقييم من قبل السلطات السعودية، ولكن الحملة التي استهدفت العديد من رجال الدين تظل مسألة شائكة تثير الكثير من الجدل على الساحة الدولية. ومع استمرار الضغط الداخلي والدولي، يبقى تساؤل حول مستقبل الحريات الدينية في السعودية وكيفية تعامل الحكومة مع الأصوات المعارضة لمشروعاتها الإصلاحية.