عادت التصاعد العسكري بين سلطة احمد الشرع في دمشق وقوات سوريا الديمقراطية “قسد” في شرق سوريا ، بعد بيان الرئاسة السورية مؤكدة رفضها القاطع لأي محاولات لفرض واقع تقسيمي أو إنشاء كيانات منفصلة. وذكرت مصادر سورية أن سلطة أحد الشرع أرسلت تعزيزات عسكرية ضخمة الى جبهات القتال مع قوات قسد في محاور سد تشرين و دير حافر، بعد غارات تركية استهدفت موقاع قوات سوريا الديمقراطية في محيط سد .

أعلنت الرئاسة السورية أمس الأحد رفضها القاطع لأي محاولات لفرض واقع تقسيمي أو إنشاء كيانات منفصلة تحت مسميات الفيدرالية أو الإدارة الذاتية في سوريا، وذلك في خضم تصاعد التوتر العسكري مع قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في مناطق شمال شرق البلاد. يأتي هذا البيان في وقت أرسلت فيه حكومة أحمد الشرع تعزيزات عسكرية إلى جبهات القتال مع قسد، خاصة في محاور سد تشرين ودير حافر، وسط تقارير عن غارات تركية استهدفت مواقع قسد في المنطقة.

خلفية التوتر المتصاعد بين دمشق وقسد

شكّل الاتفاق الأخير الذي جرى بين الرئيس أحمد الشرع وقيادة قسد خطوة إيجابية نحو التهدئة والانفتاح على حل وطني شامل، غير أن التحركات والتصريحات الصادرة مؤخراً عن قيادة قسد، والتي تدعو إلى الفيدرالية وتُكرّس واقعاً منفصلاً على الأرض، تتعارض بشكل صريح مع مضمون الاتفاق وتهدد وحدة البلاد وسلامة ترابها، وفقاً لما ورد في بيان الرئاسة السورية.

وكان أحمد الشرع، الذي تولى رئاسة سوريا في 29 يناير 2025 بعد سقوط نظام الأسد وتشكيل حكومة انتقالية في ديسمبر 2024، قد صرح في وقت سابق بأن إدارته لن تقبل بتقسيم سوريا أو وجود مجموعات مسلحة خارج سيطرة الدولة. وأكد الشرع في مقابلة مع قناة “إيه خبر” التركية أن الإدارة السورية لن تسمح لوحدات حماية الشعب الكردية بتنفيذ هجمات ضد تركيا، وستبذل قصارى جهدها لضمان أمن الحدود التركية.

بيان الرئاسة السورية: رفض قاطع للفيدرالية والتقسيم

أكدت الرئاسة السورية في بيانها الصادر يوم الأحد أن “الاتفاق كان خطوة بناءة إذا ما نُفذ بروح وطنية جامعة، بعيداً عن المشاريع الخاصة أو الإقصائية”، مشددة على “الرفض الواضح لأي محاولات لفرض واقع تقسيمي أو إنشاء كيانات منفصلة تحت مسميات الفيدرالية أو الإدارة الذاتية دون توافق وطني شامل”.

وشدد البيان على أن “وحدة سوريا أرضاً وشعباً خط أحمر، وأن أي تجاوز لذلك يُعد خروجاً عن الصف الوطني ومساساً بهوية سوريا الجامعة”، كما أعرب عن “بالغ القلق من الممارسات التي تُشير إلى توجهات خطيرة نحو تغيير ديمغرافي في بعض المناطق، بما يهدد النسيج الاجتماعي السوري ويُضعف فرص الحل الوطني الشامل”.

وحذر البيان من “تعطيل عمل مؤسسات الدولة السورية في المناطق التي تُسيطر عليها قسد، وتقييد وصول المواطنين إلى خدماتها، واحتكار الموارد الوطنية وتسخيرها خارج إطار الدولة، بما يُسهم في تعميق الانقسام وتهديد السيادة الوطنية”.

التطورات العسكرية الأخيرة في شمال شرق سوريا

سد تشرين: محور صراع استراتيجي

أفاد مصدر سوري حكومي لسكاي نيوز عربية بإرسال تعزيزات عسكرية إلى سد تشرين في ريف حلب الشرقي، في خطوة تعكس أهمية هذا الموقع الاستراتيجي. ويشكل سد تشرين أحد أهم المحاور الاستراتيجية في المنطقة نظراً لموقعه على نهر الفرات ودوره الحيوي في تأمين الموارد المائية والكهربائية.

وكانت المقاتلات الحربية التركية قد شنت سلسلة من الغارات الجوية استهدفت محيط سد تشرين في ريف عين العرب (كوباني)، وسط تحليق مكثف للطيران الحربي في سماء السد وجسر قره قوزاق. كما استهدفت غارات تركية أخرى محيط السد وقرية ملحة في ريف عين العرب إضافة إلى جسر قرقوزاق.

معارك دير حافر: جبهة ثانية مشتعلة

تزامناً مع التصعيد في محيط سد تشرين، شهدت محاور القتال في ريف حلب الشرقي اشتباكات دامية، حيث قُتل أربعة عناصر من فصائل الجيش الوطني خلال عملية تسلل نفذتها قوات سوريا الديمقراطية في محيط دير حافر بريف حلب الشرقي.

وقد شنت قوات سوريا الديمقراطية هجوماً مضاداً على مواقع الجيش الوطني السوري في محاولة لإنقاذ سد تشرين، حيث تتركز الاشتباكات في منطقة زعراء ورسم حرمل الإمام الواقعتين إلى شمال دير حافر. وتسعى قسد من خلال هذا الهجوم إلى قطع خطوط الإمداد اللوجستية للجيش الوطني السوري القادمة من مدينة الباب باتجاه منبج.

الدور التركي والأمريكي في الصراع المتصاعد

التدخل التركي: ضغط متواصل على قسد

شنت طائرات تركية غارات مكثفة على مواقع تابعة لقوات سوريا الديمقراطية في ريف حلب الشرقي، مع استمرار هجوم واسع النطاق تشنه فصائل موالية لأنقرة بهدف طرد القوات التي يهيمن عليها الأكراد من سد تشرين والمناطق المحيطة بمدينة منبج.

وقد أفادت وزارة الدفاع التركية أنها تتابع تسليم سد تشرين إلى الحكومة السورية الجديدة بموجب اتفاقها مع قوات سوريا الديمقراطية الأخير، كما أضافت أنه قد تم الاتفاق مع دمشق على إنشاء مركز عمليات مشترك، مؤكدة أن الطلبات الواردة من الإدارة السورية تتركز على التعاون في مكافحة التهديدات الإرهابية.

الوجود الأمريكي: دعم لقسد في مواجهة الضغوط

تزامنت المعارك مع دخول رتل عسكري أمريكي مؤلف من 20 شاحنة قادمة من إقليم كردستان العراق عبر معبر الوليد الحدودي، واتجهت هذه القافلة نحو قاعدتي تل بيدر وقسرك الواقعتين في ريف الحسكة.

كما أرسل الجيش الأمريكي رتلاً إضافياً مكوناً من 13 مدرعة عسكرية إلى منطقة عين العرب (كوباني) في ريف حلب الشرقي، حيث استكمل العمل على بناء قاعدة عسكرية جديدة هناك، وفق ما أفاد به المرصد السوري لحقوق الإنسان.

الخسائر البشرية والتداعيات الإنسانية للتصعيد

وفقاً لتوثيقات “المرصد السوري”، فقد بلغ عدد القتلى منذ بدء التصعيد في 12 كانون الأول 2024 نحو 639 شخصاً، منهم 56 مدنياً (بينهم 7 سيدات و4 أطفال وصحفي)، و475 عنصراً من الفصائل الموالية لتركيا (بينهم رقيب في الجيش التركي)، و104 عناصر من قوات قسد والتشكيلات العسكرية التابعة لها (بينهم قيادي)، إضافة إلى 4 من القوات التركية.

وفي آخر تطورات المواجهات، قُتل 12 عنصراً من قسد وأُصيب 8 آخرون خلال القصف والاشتباكات العنيفة التي وقعت يوم السبت، بينما قُتل 50 من عناصر الفصائل المهاجمة، وفقاً لتقارير المرصد السوري.

مستقبل الصراع: تحديات الوحدة الوطنية والمخاوف من التقسيم

يبدو أن مستقبل العلاقة بين دمشق وقسد يتجه نحو مزيد من التعقيد، خاصة في ظل التصريحات المتباينة والمواقف المتصلبة من الطرفين. فقد أكد وزير الدفاع في الإدارة السورية، مرهف أبو قصرة، في وقت سابق أن “قسد تماطل فيما يتعلق بالانضمام إلى الجيش السوري الموحد، وأن الباب مفتوح الآن للتفاوض لكن قد يتم اللجوء إلى القوة إذا لزم الأمر”.

في المقابل، أعلن قائد الإدارة الجديدة في سوريا، أحمد الشرع، أن جميع الفصائل العسكرية سيتم دمجها في مؤسسة واحدة تحت إدارة وزارة الدفاع في الجيش السوري الجديد، في خطوة تهدف إلى توحيد القوى العسكرية وتنظيمها ضمن إطار مؤسساتي.

مستقبل الصراع

يشهد الشمال السوري تصعيداً عسكرياً خطيراً بين سلطة أحمد الشرع في دمشق وقوات سوريا الديمقراطية، مع تدخل إقليمي ودولي واضح في الصراع. ويبدو أن الأيام المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مستقبل العلاقة بين الطرفين، وما إذا كان سيتم التوصل إلى تسوية سياسية تحافظ على وحدة سوريا أم أن البلاد ستشهد مزيداً من التشظي والانقسام.

في ظل هذه التطورات المتسارعة، تبقى وحدة سوريا أرضاً وشعباً على المحك، وسط مخاوف من تعميق الانقسامات وتهديد السيادة الوطنية في بلد أنهكته سنوات طويلة من الصراع والدمار.